المثقف المغربي وأزمة الاغتراب

كتابات في زمن كورونا Corona من وراء القضبان:

مفهوم الاغتـــــراب:

يمكنه أن يتضمن معاني مختلفة كما يمكن أن يتم استخدامه استخدامات عديدة قد يبدو بعضها مناقضا للبعض فكل مضامين و دلالات الاغتراب تعني أنه يتطور و ينمو كرد فعل لأوضاع اجتماعية موضوعية، فالمرء يصبح غريبا اتجاه شيء معين أو شخص معين كان يرتبط به على نحو وثيق فالشخص المغترب هو ذلك الشخص الذي يكون لديه شعور دائم نسبيا بالغربة عن المؤسسات و عن القيم السائدة ، فالإحساس بالغربة لا يكون بالضرورة علامة مرضية، فخيال المغترب قد يستمد قوة كبرى من الإحساس بالغربة، فهو يعني نوعا من التحرر و قد يضيف نوعا من التجديد و الحيوية على نظرية الحياة و يثير خياله و يحرك روحه الخلاقة ، العامل الأساسي المسؤول عن الأزمة الحادة للمثقف المغربي تتمثل في اغترابه و هذه حقيقة يجب أن تكون إيجابية حتى لا يصير الاغتراب مبررا لتنصل المثقف من مسؤوليته المجتمعية، فالمثقف على هذا النحو يعني و جود مستوى راقي من الوعي، النقاء، المثالية والأمانة، فهو يبرر وضعه على أنه رافض لمجتمعه، و ناقد بسبب وجود ما هو جدير بالنقد، فحيثما يكثر الحديث عن اغتراب المثقف، فإنه لا ينظر أو يفكر في اغترابه الذاتي، و لكن ينظر إلى اغترابه عن الآخرين، وبصفة خاصة عن المجتمع، فمظاهر اغتراب المثقف المغربي قد يأخذ ذلك أشكال مختلفة تكون في بعض الأحيان متداخلة و من بين هذه الأشكال :

أ‌-       للمثقف أسلوب حياة ونمط العمل واللغة والقدرات الاهتمامات والميول التي تضعه بمعزل عن الآخرين وتجعله مغتربا عنهم.

ب‌-    للمثقف الشك الدائم أو الرفض التام للقيم الثقافية أو فلسفات الحياة السائدة.

ت‌-    للمثقف اغتراب عن النسق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي السائد، وقد يصير منظرا أو مدافعا عن قضية ولكنه قد يتقهقر إلى شكل من أشكال اللامبالاة السياسية.

ث‌-    للمثقف اغتراب عن الثقافة السائدة والتي كانت دائما في حالة تعارض مع الواقع الاجتماعي.

فالمثقف هو الأكثر اهتماما بالقيم الأساسية كما أنه نزاع إلى التعامل مع عالم أكثر اتساعا و يعتبر كذلك أكثر التزاما بدراسة البدائل و الاحتمالات و ليس فقط بدراسة الواقع أي أن المثقف يلتزم بدراسة ما يجب أن يكون و ليس فقط ما هو قائم فالتكوين الثقافي للمثقف يتضمن أربعة عناصر هي : (الاتجاه العلمي ، الرومانسي ، الثوري والشعبي) وكلا من هذه الاتجاهات يتضمن إشكالية معينة للاغتراب، و لذلك فإن تصرف المثقف المغربي المغترب على نحو معين إيجابي أو سلبي يرجع إلى وضع التوازن بين درجة قوته الذاتية، و قوة الوضع أو الشيء المغترب عنه،    وعلى ذلك فان تصرف المثقف المغربي ينطلق من خيارات ثلاثة يتمثل:

(أولها) في الانسحاب من الواقع الذي يسبب اغترابه وسيتم الانسحاب بعدم المواجهة أو الهروب واللامبالاة واليأس والاقتصاص من الذات،

(ثانيها) يتمثل في الرضوخ للنظام القائم والتعاون معه قهرا الأمر الذي يفسر نشوء الأقنعة وكثيرا ما يرافق الرضوخ نزعة التعليل والتبرير،

(ثالثها) تتمثل في التمرد الفردي من أجل تغيير الواقع وتجاوز حالة الاغتراب، ومع ذلك فإن الاغتراب الكامل للمثقفين لا يبدو أمرا مرغوبا فيه إلا أن درجة معينة من منه تمثل القدر والنصيب الدائم للمثقف.

وعليه، المثقف لا يستطيع أن يغمض العينين على ما يصرخ من حوله وقد يكون هو ما يحسها بطريقة متفردة عندما يختلي بنفسه في لحظات الاسترجاع و الربط بينها، فهو من يتلقى الأزمة مجسدة في الكلمات و اللغة، فيكفي أن يتذكر أن الوطن لم ينتج سوى تغييب الأصوات الصادقة، و بؤس العلاقات، وانكسار النفوس، ليدرك في الأخير أن هذه الأزمة بالرغم من وعيه بمصادرها قد استقرت وكأنها قدر لا يقوى أحد على تغييره ، هكذا يجد المثقف نفسه أمام أسئلة يتداخل فيها الآني بالموروث، و المظهري بالجوهري، والقومي بالإنساني، ويظل الرهان لديه هو تحرير الإنسان من كل ما يتهدد وجوده و كيانه و حقه المشروع في التعبير و التغيير، فالمثقف الذي يحترم قلمه هو في طليعة من يعترضون لانعكاسات الأزمة ماديا ومعنويا، فهو لا يحتمل فقط أعباء الكتابة، بل غالبا ما يضيف إليها عبئ المتابعة والمحاصرة و أحيانا الاعتقال .

عبد الاله شفيشو

السجن المحلي شفشاون

 

Loading...