بصمت المسيرة الخضراء تاريخ المغرب بأسلوبها النضالي السلمي لتصفية الاستعمار واستكمال الوحدة الترابية لوطن ناضل شعبه باستمرار للدفاع عن حوزته ووحدته، فظلت وستظل ذكرى محفورة في وجدان الشعب المغربي بشكل عام، ولدى المشاركين فيها بشكل خاص.
في خضم احتفالات الشعب المغربي بالمسيرة الخضراء في ذكراها الثامنة والأربعين، يسترجع مجموعة من أبناء الريف، في تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء، رحلتهم التاريخية من شمال المملكة إلى جنوبها، من قمم وفجاج الريف إلى امتداد الصحراء، تلبية لنداء الحسن ودفاعا عن وحدة الوطن.
عبد السلام بلحاج، من بني بوفراح إقليم الحسيمة، يستعيد لحظات لم تفارق ذاكرته من مشاركته في المسيرة الخضراء، بعد إعلان المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني عن تنظيم المسيرة يوم 16 أكتوبر 1975، بعد تأكيد محكمة العدل الدولية لوجود روابط قانونية وأواصر بيعة بين سلاطين المغرب والصحراء.
وقال بلحاج “لا تزال صورة الملك الحسن الثاني وهو يخاطب الأمة مطبوعة في ذهني، كنا جماعة في المقهى وعيوننا مشدودة لتلفاز بالأبيض والأسود، ننصت بشغف للخطاب الملكي، حتى قال المغفور له ” .. لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه …”.
وكلف عبد السلام بلحاج، من طرف عمالة إقليم الحسيمة، بمهمة تسجيل متطوعي منطقة بني بوفراح في المسيرة، بينما كلفت زوجته بفوج النساء المتطوعات، في وقت كان علماء وشيوخ المنطقة يشرحون للناس مضامين الخطاب الملكي ويقدمون توضيحات حول هذه الملحمة التي كانت المغاربة بصدد كتابتها.
وشدد على أن عدد المشاركين من دائرة بني بوفراح كان حوالي 300 شخص من الشباب والنساء والرجال، يتوزعون بين متطوعي بني بوفراح وتطفت وبني جميل، مبرزا أن “المتطوعين امتطوا الشاحنات إلى تازة، حيث قضوا ليلة قبل مواصلة المسير بالقطار نحو مراكش، ثم إتمام الرحلة بالشاحنات إلى طرفاية”.
بكثر من الحنين والاعتزاز بالحصول على وسام ملكي بعد هذه الملحمة، يسرد لحظات اقتحام الحدود الوهمية حيث استبد بالمتطوعين إحساس الفرح الممزوج ببعض الخوف، لكن روح الوطنية والرغبة في فداء الوطن بالغالي والنفيس، والروح إن اقتضى الأمر، رص الصفوف وقوى من عزيمة المتطوعين، موضحا أن الجميع، ملتحفين بالرايات ورافعين المصاحف ومرددين الشعارات والتكبيرات، انطلقوا بعزيمة وإصرار لاختراق الحدود بمنطقة الطاح وطرد المستعمر”.
أما المكي الغازي، من أربعاء تاوريرت بإقليم الحسيمة، فقد عاد لما اختزنته ذاكرته من مشاركته في ملحمة المسيرة وهو ابن 20 عاما، إذا كان طالبا يدفعه الحماس الشديد وروحه المفعمة بالوطنية لخوض هذه المغامرة الفريدة من نوعها تلبية لنداء الملك المغفور له الحسن الثاني.
وقال إنه، رفقة عدد من المتطوعين من أربعاء تاوريرت، شد الرحال صوب الأقاليم الجنوبية تحركهم شجاعة الحق في الدفاع عن الوطن، مبرزا “كنت شابا وعلى استعداد لأموت كي تحيى الكرامة والوطن”.
كان أبناء الريف في مقدمة ركب المسيرة يرددون شعار “حنا جينا من الريف واسبانيا دخرج بالسيف”، يتذكر المكي الغازي لحظات رفقة أبناء منطقته، عزلا في مواجهة المستعمر، وهم يرفعون شعارات أخرى والمصحف والرايات والأعلام الوطنية.
ويحكي أن وصول المغاربة إلى عمق الصحراء كان أكبر تحرك بشري سلمي رسم لوحة وطنية لا تنسى أبدا، حيث ظلت ذكرى في رصيده تحظى بمكانة خاصة يحكيها لأولاده وأحفاده بكل فخر واعتزاز، معتبرا أن “المسيرة أجمل حكي أسرده ووثائق الذكرى من أجمل الأرشيف الذي أمتلكه”.
من جانبه، استعاد مسعود محند، مشارك آخر من مدينة تارجيست، ذكرياته وهو لم يكمل عقده الثاني بعد متوجها إلى الصحراء المغربية، مؤكدا “لم يشغلنا بعد المسافة من الريف في أقصى الشمال إلى الصحراء في أقصى الجنوب، ولا حساسية المستعمر، كان شاغلنا الوحيد هو استرجاع الأقاليم الجنوبية”.
وقال “كنت أشرف في الرحلة على 40 مشارك، أقدم لهم المساعدة وألبي حاجياتهم، بينما شارك من دائرة تارجيست أكثر من 607 مشارك، وبكل منطقة الريف أكثر من ألفي مشارك”، مضيفا كان المسيرة كانت تتقدم بثبات بينما يردد المتطوعون شعارات وطنية من قبيل “الملك ملكنا والصحراء صحراؤها”.
وتابع “قضينا زهاء شهر بالأقاليم الجنوبية، كانت فرصة للتعرف على أناس من مختلف مناطق المغرب، كنا نتعاون على طهي الطعام ونتقاسم الماء ونتضامن في قضاء الأشغال، كنا جسدا واحدا رغم اختلاف اللهجات والثقافات”.
“من الريف إلى الصحراء، أمة واحدة ووطن واحد”، هكذا لخص أبناء الريف المشاركون في المسيرة الخضراء تجربتهم في كتابة صفحات من هذه الملحمة الوطنية الخالدة، والتي تتواصل بمسيرة النماء والازدهار.