أنس الحسيسن
الحديث عن الثقافة حديث ذو شجون، وبقدرما تتعدد مجالاتها، فإن مصادر تمويلها التنظيمي محدود ، ذلك أن القيام بنشاط ثقافي منتج، يروم بناء الإنسان لا بد لها من تمويل، ومن فضاءات تحتضن هذه الأنشطة الثقافية، التي تتجلى في عدة صور من قبيل تنظيم لقاءات فكرية ، أو مسرحية، أو موسيقية، أو تقديم مؤلفات ، سواء أكان أصلها جديدا، أو كان مصدرها الأطاريح الجامعية.
وإذا كان القيام بنشاط ثقافي يجد مكانا له مع وجود فضاءات تتوفر على تجهيزات وتقنيات من الطراز العالي إلا أنه مع الأسف قد نجد أن عددا من هذه الفضاءات العمومية ، لا يستقبل أي نشاط طيلة السنة، أو أكثر.
إن نجاح تنظيم أي نشاط لا بد له له من تمويل مالي، ولو في أدنى شروطه، لذا فالبحث عن تغطية مصاريف التنظيم من لدن أية جمعية يبقى أمرا عاديا، لكن أحيانا تطفو فوق السطح أمور تثير بعض التساؤلات عن قبول دعم طلب من هذه الجمعية ،أو رفض طلب الأخرى.
وهذا الاستغراب ما راج مؤخرا من حصول جمعية حديثة النشأة بتطوان عن منحة مالية مهمة بعد أن تكون قد قدمت مشروعا لها بقصد تنظيم تظاهرات ثقافية من شأنها أن تحرك القطاع الثقافي بمدينة في كثير من المناسبات يراد منها أن يصبح لها طابع خاص في الثقافة، لا سيما وأنها تحتضن جامعة علمية من أكبر الجامعات بالمغرب.
تخصيص الجمعيات منحة مالية من المال العمومي دائما يرافقه لغط كبير عن المعايير التي تتوفر في هذه الجمعية أو الأخرى من أجل الاستفادة من هذا الدعم، وهذه المعايير هي الأخرى تخلق سجالا ونقاشا عندما تتوجه الجمعيات الرياضية بطلبات الحصول على الدعم من المؤسسات العمومية.
وكما قلنا سابقا، فإن تخصيص الدعم للجمعيات، يبقى أساسيا من أجل أن تنشط الحركة الثقافية، التي هي مرآة عن تطور أي مجتمع. و إذا كان للجمعيات حظ في الاستفادة من دعم عمومي، حيث هناك من يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، كما هو حال الجمعية الحديثة النشأة ، التي توبع ميلادها من لدن المهتمين بالشأن المحلي، خاصة وأن لها من الوسائل القانونية ما يقوي طلبها ، إلا أن هناك مبادرات يصعب عليها الحصول على ذلك، أو يكون الأمر مستحيلا من لدن أشخاص ذاتيين، إذ في حال وضعهم لطلباتهم، فغالبا ما يطوى هذا الطلب بسرعة، وقد لا يتوصل صاحبه بأي رد خلافا لما ينص عليه القانون، ورغم أن طلبات الأشخاص الذاتيين تبقى غير مكلفة بالمرة خلافا لبعض التظاهرات، التي قد تتطلب ميزانية تنظيمها ملايين .
حرمان هذا الطرف أو ذاك من الدعم، شكل من الأشكال، التي قد تتضرر منها الثقافة، خصوصا إذا كانت هناك أعمال، ستغني المشهد الثقافي بالمدينة، كتعزيز خزانة المدينة بالتآليف في زمن طغى فيه الاعتماد على الإنترنت، وأضحى الاهتمام بما هو ورقي يتقلص .
تقزيم دور الثقافة مجتمعيا، لا ينحصر في إغلاق أبواب الدعم في وجه بعض الجمعيات، أو أشخاص ذاتيين، فقد تكون هناك أوجه مغايرة، كما حصل بمدينة الزمامرة حين تم تحويل خزانة بالمدينة لفندق تابع لفريق كروي يزاول بالبطولة الاحترافية للقسم الأول بعد أن استفاد هذا الفريق من غلاف مالي من بلدية هذه المدينة ومن جامعة كرة القدم، وهو ما جر على رئيس البلدية، والذي يشغل في ذات الوقت رئيسا للفريق شكاية من جمعية حماية المال العام بالمدينة عن تحويل فضاء ثقافي إلى فندق، وكأن المدينة لا تهمها الثقافة.
على كل حال، فإنه كلما تعرضت الثقافة لبعض الحسابات، إن لم نقل بعض الضربات، فإن ذلك سيحد من تطورها، وسيحد من دينامية الفاعلين فيها، وقد نرى ساحة ثقافية جامدة.