فيما جاء في انفتاح الجامعة

_أنس الحسيسن

يكثر الحديث عن انفتاح الجامعة على محيطها الاقتصادي والاجتماعي، ومن مشاريع هذا التوجه إحداث تكوينات برحاب المؤسسات الجامعية تروم تعزيز سوق الشغل بكفاءات مؤهلة بعد أن تكون الجامعة قد تجاوبت بشكل أو بآخر مع متطلبات تخصصات مطلوبة ، وهذا ما يخدم أطرافا متعددة، خاصة منها فئة الشباب الباحثة عن الشغل.

وإذا كان هذا الانفتاح يعد محمودا، ومحركا للاقتصاد، وإن كان في الحقيقة ليس كافيا فيما يخص المهام العلمية للجامعات، إذ ما يلاحظ عليها عدم اكتراثها بكيفية تطوير العلوم الإنسانية، لا سيما أمام انتشار “هشاشة الأفكار”، التي يبقى السبيل لعلاجها هي الجامعة، ما دامت هي الحاضنة لإنتاج آليات تغني هذه العلوم، وغيرها على أن يكون هذا الإنتاج متوازنا بين مختلف العلوم. وعلى ذكر هذه الملاحظة، فإننا كنا نرى بالأمس القريب رؤساء للجامعات قادمون من حقول معرفية تنتمي إلى العلوم الإنسانية تتقلد مسؤولية رئاسة الجامعات، التي لم تكن درجاتها متدنية في سلم التصنيف العالمي للجامعات بمعنى أن الواقع الحالي ورغم أن الجامعات المغربية جل رؤسائها أطر تنتمي إلى العلوم الطبيعية، فإنه لم يطرأ أي تغيير، الذي قد يبرز من خلال تحسن في سلم التصنيف العالمي للجامعات المغربية.

ومن باب التذكير ببعض الأسماء اللامعة، التي ترأست الجامعة المغربية، نستحضر اسم الأستاذ الجامعي والمؤرخ محمد القبلي صاحب التآليف العديدة والمتميزة، الذي كان أول رئيس لجامعة عبد المالك السعدي يتقلد هذه المسؤولية، ليخلفه فيما بعد رؤساء قادمون من مجال العلوم الطبيعية، أو الاقتصادية.

حقيقة الأمر، فإن انفتاح الجامعات على محيطها هو متعدد الأشكال، و ما انفتاح المؤسسات الجامعية على مهتميها ومثقفيها في حضور مناقشة أطاريح الدكتواره إلا شكل من أشكال انفتاح الجامعة ، ومؤشر ايجابي على دور الجامعة في النهوض بالعلم الثقافة.

وفي المدة الأخيرة، عاشت قاعة المرحوم عبد الله المرابط الترغي بكلية الآداب بتطوان، وهو أحد الرجالات الأفذاذ بهذه الكلية مناقشة أطروحة لنيل شهادة الدكتواره في موضوع: ” البعد العقدي في الفكر الصوفي الإصلاحي بالمغرب، أحمد بن عجيبة نموذجا”، التي امتازت باحترام معايير المناقشة الرفيعة والرصينة من لدن أعضاء لجنة المناقشة، وهذا ما أثار الحضور، الذي قدر الجهود، التي بذلت من لدن المناقشين في الوقوف على صفحات الأطروحة رغم كثرتها، حيث أبدت المداخلات مجموعة من الملاحظات، والتصويبات، التي كانت تصب في تقويم العمل، وليس التقليل من أهميته كما قد يتبادر إلى ذهن البعض.

إن مثل هذه المناقشات، هي التي ترفع من قيمة البحث العلمي ببلادنا، وتسمو به، وهي التي تجود في آخر المطاف ما تنتجه المؤسسات الجامعية من أعمال قد تطبع منها عناوين تغني الخزانة المغربية بتآليف متنوعة، ذلك أن كثيرا من الأعمال كانت تستحق الطبع، ولكن أمام صعوبة التمويل، وعدم تكفل الجامعات بالقيام بذلك، لا يستفاد مما تنتجه الجامعة المغربية، وتبقى الأعمال المنجزة حبيسة رفوف مكتبات المؤسسات الجامعية، وقد يطالها النسيان…

ما شهدته الأطروحة السالفة الذكر من استحضار لمعايير المناقشة الجادة، ينبغي أن يكون نموذجا لمناقشة أطاريح الدكتوراه داخل فضاءات الكليات في ضوء ما نسمع ونتابع من تدني مستوى المناقشات، خاصة وأن كثيرا من هذه الأطاريح لا تقدم إضافات جديدة للبحث العلمي، بل إن بعض المحتويات لا تخرج عن صيغة “كوبي كولي”، وقد لا يتعب صاحب البحث في تحضير عمله، حيث أصبح البعض لا يجد حرجا في نقل عدد من صفحات الغير، ونسبها إليه، وهذه من جملة المظاهر، التي نراها تتجسد في الامتحانات الإشهادية في ظل تعدد أساليب الغش بفعل تقدم الوسائل التكنولوجية، مما يدق ناقوس الخطر في ضرورة صون القيمة العلمية لهذه الشهادات.

ما أحوج أن نرى في مناقشات الأطاريح متخصصون لهم باع طويل في تخصصاتهم، اجتهدوا في تمحيص ما يعرض عليهم قبل أن يجلسوا في منصة المناقشة وتبادل السجال العلمي، ومقارعة الحجة بالحجة.

خلاصة الكلام أن الأطروحة السالفة الذكر استجابت لمعايير المناقشة الجادة ، وهي بذلك أحيت دور ومكانة المؤسسات الجامعية في القيام بواجبها من خلال ما تعرفه من مناقشات علمية.

 

 

 

Loading...