ربيع الرايس
لا يمكن أن يمر خبر تحويل “دار البومبة” في تطوان العتيقة إلى مطعم مرور الكرام. هذه الفضيحة هي طعنة في ظهر التراث الثقافي للمدينة العريقة التي تُصنف كإرث إنساني عالمي. فكيف يمكن لمعلمة تاريخية، خضعت لإصلاحات ضخمة ضمن مشروع ملكي يهدف إلى إعادة الاعتبار للتراث، أن تتحول في سرية تامة إلى مجرد مطعم؟
“دار البومبة” ليست مجرد مبنى قديم، بل هي شاهد على حقبة تاريخية مهمة. شيدت في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وكانت مصنعًا للعتاد الحربي. فمن جدرانها خرجت قوالب الكور والمدافع التي استُخدمت لتحصين الموانئ والمراسي من هجمات السفن الحربية. هذا التاريخ العريق هو جزء من هويتنا، ومن واجبنا أن نحافظ عليه.
المشروع الملكي لإعادة الاعتبار لتطوان العتيقة كان يهدف إلى الحفاظ على هذا الإرث، وإعادة الحياة إليه بطريقة تُبرز قيمته التاريخية. كان من المفترض أن تتحول “دار البومبة” إلى متحف أو مزار سياحي يروي للأجيال القادمة قصة هذه المدينة ومجدها. كان من الممكن أن تكون مركزًا ثقافيًا يجذب السياح والباحثين، ويُسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي بطريقة تُحترم فيها قيمة المكان.
ولكن، يبدو أن هناك من يرى في هذا التراث مجرد فرصة تجارية. تحويل “دار البومبة” إلى مطعم هو قرار مبتذل لا ينم عن أي فهم لقيمة المكان. إنه قرار يُمثل إهانة لتاريخ المدينة وللجهود المبذولة للحفاظ على تراثها. من أعطى الضوء الأخضر لهذا التحويل؟ من سمح بهذا العبث الذي يُهدد هوية المدينة؟
إن ما يحدث في “دار البومبة” هو مؤشر خطير على كيفية التعامل مع تراثنا الثقافي. إذا لم نتحرك الآن، فربما نرى في المستقبل القريب تحويل معالم تاريخية أخرى إلى مشاريع تجارية لا علاقة لها بقيمة المكان. يجب على الجهات المسؤولة أن تُقدم تفسيرًا واضحًا لما حدث، وأن تتراجع عن هذا القرار فورًا. يجب أن تُعاد “دار البومبة” إلى مكانتها كمعلمة تاريخية، وأن تُفتح أبوابها للجميع لتكون مزارًا سياحيًا يُبرز جزءًا من تاريخ تطوان العريق.
- Facebook Comments
- تعليقات