رضوان الغزاوي-باحث فالسياسة الدولية والدبلوماسية
لم تكن زيارتنا الأخيرة إلى منطقة بليونش تسير على ما يرام حيث تغيرت ملامح المنطقة خلال الأيام الأخيرة بإجراءات أمنية مشددة، تمثلت في وضع حواجز على طول الشريط الساحلي المؤدي إلى جزيرة ليلى، وهو ما حال دون تمتع المواطنين بفضاءات طبيعية تعد جزءًا من ترابهم الوطني. وقد بررت السلطات هذا المنع بذرائع مرتبطة بمحاربة الهجرة غير النظامية، إلا أن هذا التبرير يثير أكثر من علامة استفهام حول مدى انسجامه مع مبدأ السيادة الوطنية وحق المغاربة في الاستفادة من شواطئهم.
من الملاحظ أن هذه السياسة الأمنية المتشددة تتزامن مع تصاعد الخطاب العدائي لليمين المتطرف الإسباني، الذي يواصل استغلال ملف الهجرة، وملف الوحدة الترابية للمغرب، كورقة ضغط وابتزاز سياسي. هنا اقف مع سؤال قد يبدو لكم فلسفي ، هل بات المغرب يؤدي دور رجل الأمن لإسبانيا وأوروبا على حساب حقوق مواطنيه المشروعة؟
من أجل إعطاء صبغة قانونية وسيادية للسؤال يجب أن نعود لأزمة جزيرة ليلى سنة 2002 فجزيرة ليلى ليست مجرد صخرة صغيرة في عرض البحر الأبيض المتوسط، بل هي رمز لصراع سيادي طال أمده بين المغرب وإسبانيا. أزمة 2002 التي اندلعت حين حاول المغرب فرض حضوره السيادي على الجزيرة، لا تزال راسخة في الذاكرة، وقد شكلت حينها لحظة اختبار صعبة للعلاقات بين البلدين وهي السبب الرئيسي الذي جعلت المغرب ينهض من سباته العميق ويصبح ما هو عليه الآن . واليوم، ورغم مرور أكثر من عقدين على تلك الحادثة، ما زالت الجزيرة عنوانا لتوتر دفين، يجدده في كل مرة خطاب القوى السياسية الإسبانية المناهضة للمغرب.
لا أحد ينكر أن الهجرة غير النظامية تشكل معضلة مشتركة بين ضفتي المتوسط، غير أن الاقتصار على المقاربة الأمنية من خلال إقامة الحواجز والمنع، لا يمكن أن يكون حلا دائما. فالهجرة مرتبطة أساسا بأوضاع اجتماعية واقتصادية معقدة، ومعالجتها تستوجب سياسات تنموية موازية، وليس فقط إجراءات أمنية تضع المواطن المغربي في خانة “المشتبه به” داخل ترابه الوطني.
لقد قررت رفع العلم المغربي فوق جزيرة ليلى كرد على اليمين المتطرف بإسبانيا لكن التعقيدات و الاستفسارات والتهديدات كانت سيدة الموقف بعد مكالمات هاتفيه أجريتها مع هيئة حقوقية وحزبية وسياسية والتي حاولت كلها الخوض في هذا الموضوع او تبني الفكرة … لهذا فمعنى السيادة لا يقتصر على حماية الحدود ومراقبة البحر، بل يشمل أيضًا تمكين المواطنين من الإحساس بالانتماء الكامل لوطنهم، والاستفادة من خيراته الطبيعية. كيف يمكن إقناع المواطن المغربي بقيمة السيادة، وهو يجد نفسه ممنوعًا من ولوج شواطئ بلده تحت مبررات أمنية، في حين يستمر الابتزاز الإسباني في قضايا استراتيجية؟
إن ما يحدث في الفنيدق وبليونش اليوم يتجاوز كونه تدبيرًا محليًا لشاطئ حساس، ليكشف عن معادلة أكثر تعقيدًا في علاقة المغرب بجواره الأوروبي وسوف أكرر سؤال اخر بصيغة أخرى ، هل نحن شريك متكافئ يضع سيادته ومصالحه الوطنية أولاً، أم مجرد “شرطي حدود” ينفذ السياسات الأمنية الأوروبية؟
لقد آن الأوان لفتح نقاش وطني جاد حول هذه المقاربة، بما يعيد الاعتبار لسيادة المغرب، ويضمن للمواطن حقه الطبيعي في الوصول إلى فضاءاته وشواطئه، بعيدا عن منطق الوصاية الأمنية التي قد تنقلب إلى عبء سياسي على المدى الطويل.
إن الإجراءات الأمنية المتعلقة بمكافحة الهجرة السرية لا ينبغي أن تتحول إلى قيود على حقوق المواطنين في الاستفادة من فضاءاتهم الطبيعية. إن الدفاع عن السيادة الوطنية لا يكون فقط بالاتفاقيات أو الحواجز الأمنية، بل يتجسد أساسا في تمكين المواطن المغربي من الشعور بالانتماء والاعتزاز بوطنه. ومن ثمة، ندعو السلطات إلى الموازنة بين مقتضيات الأمن ومطالب السيادة، بما يضمن احترام كرامة المواطن وحماية مصالح الوطن في آن واحد.