ربيع الرايس
بالأمس، في عاصمة البوغاز طنجة -أصيلة، وقف “الزعيم” عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، يُطلق سهامه ودموعه… عفواً، كلماته المبرمجة، أمام أنصاره. كان المشهد احتفاليا، سياسيا بامتياز، وفوق كل شيء: خالٍ من الدموع!
وهنا مربط الفرس، أو بالأحرى، مربط الدمعة السياسية. فجميعنا نتذكر جيداً كيف كانت دموع “البيكَي” تنساب مدراراً في مواقف “وجب” فيها البكاء، وكيف كانت تتوقف كصنبور محكمة الإغلاق في مواقف أخرى. كان الكل يتوقع أن يرى “المؤثر الأكبر” يتأثر وينفعل في تطوان تحديدا، تلك المدينة التي أدارت ظهرها قليلا لحزبه، ليغسل دموعه “السياسية” جروح “المصباح” المكسور.
لكن يا حسرة! تطوان هذه المرة لم تستفز غدّة بن كيران الدمعية. فبدلاً من “الدمعة”، جاء “الوصف” من طنجة: “نــــاس تطوان راسهم قــاصح”.
يا له من تشخيص دقيق! “راس قاصح” ربما يعني أنه “راس” لم يعد يقتنع بالبكاء عند الطلب، ولا بالوعود المُكررة لحزبه، وربما هو “راس” بدأ يحاسب على الأرض. لكن الزعيم، بكاريزمته المعهودة في “الركوب على كل ما يطفو”، استدرك على الفور: “ولكن أنا عزيز عليهم وهما عزاز عليــــــا”. يا سلام! هذا هو التوازن السياسي الرشيق: لكم “الرأس القاصح”، ولي “المعزّة” الخالدة!
تطوان… هنا يرقد “المصباح الشائخ”!
دعونا نتوقف قليلا عند “الرأس القاصح” في تطوان تحديدا.
هل يعلم “أبو العواطف الجياشة” أن حزبه هناك ليس مجرد “مصباح” خفت ضوؤه، بل هو “مصباح شاخ”، دخل مرحلة “أفول” مبكر؟ فالمشكلة ليست في قساوة الرأس التطواني، بل ربما في ليونة الوعود السياسية التي لم تعد تُضيء الطريق. الغريب في الأمر أن هذا الحزب “الذي شاخ” هو في الواقع “قادم جديد” في سيرة السياسة المغربية العتيقة. وكأن الحزب، كأي نجم صاعد، أشرق سريعا، وها هو يبدأ رحلة غروبه، بينما “الزعيم” ما زال يغني على أطلال “المعزّة المتبادلة”.
”بشرى” بن كيران: “انتخابات قريبة بسبب الأحداث الأخيرة”!
وكعادة “الركوب” الشهيرة، لم يجد بن كيران فرصة أفضل من إطلاق “البالون” المفضل لديه أمام أنصاره المتحمسين: “الانتخابات المقبلة قد تكون قريبة بفعل الأحداث الأخيرة”.
أيها الزعيم، هل أنت عراف أم سياسي؟ هذا التصريح أشبه بـ “أخبار سارة” يزفها طبيب لمرضاه بأن “مرضا جديدا” سيُجبرهم على العودة للمستشفى! فبدلا من تقديم تقييم واقعي لحالة الحزب المُتدهورة، يعلن عن “احتمالية العودة” بفضل “الأحداث الأخيرة” الغامضة.
في النهاية، يبقى بن كيران مدرسة في فن المناورة الساخرة: دمعة حسب الطلب، وكلمة عن “الرأس القاصح” المغلف بـ “المعزّة”، وتصريح عن “العودة” يحاول به أن يوقظ “المصباح الشائخ” من غفوته العميقة.
فهل ستنجح “المعزّة” في تليين “الرأس القاصح”؟ أم أن تطوان ماضية في طريقها لإثبات أن السياسة، يا “سي عبد الإله”، ليست مجرد “صندوق للدموع” يُفتح متى شِئت ويُغلق متى أردت؟







