ربيع الرايس
مع كامل الأسف، ورغم الآمال التي كانت معقودة عليه، أثبت قطاع الصحافة أنه عاجز عن الاضطلاع بمسؤوليته الأولى والأهم: تنظيم ذاته بذاته.
لقد كان المفترض أن تكون الصحافة سلطة رابعة حقيقية، لكن الواقع يكشف عن مفارقة مؤلمة عند مقارنتها بقطاعات مهنية أخرى. فهناك هيئات ومهن عريقة نجحت منذ فجر الاستقلال، بل وقبله، في بناء تقاليد راسخة. هذه القطاعات تمتلك “مناعة ذاتية”، وتعرف جيدا كيف تدبر خلافاتها الداخلية، وكيف تصون شرف المهنة دون الحاجة لوصاية طرف خارج المهنة، محتكمة إلى أعراف صلبة تحترمها الأجيال المتعاقبة.
أما الصحافة، فهي قطاع “عصي على الفهم” (أو كما يقال بالدارجة “فشكل”). هي مهنة كان يمكن أن تكون قوتها الضاربة في “اتحاد الكلمة” ووحدة الصف. فلو توحد الجسم الصحفي، لكان سدا منيعا في وجه أي انزلاق.
لكن، وللأسف، فإن داء التقاطب المصلحي والسياسي نخر عظام هذا الجسد. بدلا من أن تكون الكلمة موحدة للدفاع عن المهنة وأخلاقياتها، تفرقت السبل بأهلها بين ولاءات ضيقة وحسابات صغيرة، قضت على هيبة “صاحبة الجلالة” وجعلتها عاجزة عن حسم فوضاها الداخلية، تاركة المجال مفتوحا لكل من هب ودب.
ختاما القوة الحقيقية للصحافة كانت دائما في وحدتها واستقلاليتها، ويوم ضاعت هذه الوحدة في دهاليز أحضان السياسة والمصالح، ضاعت معها فرصة تنظيم القطاع لنفسه، وظل يراوح مكانه… بلا بوصلة.







