أجمل الأيام هي التي في انتظارنا

بقلم : الزهرة حمودان -برشلونة في 30

أجمل الأيام هي التي في انتظارنا

الزمن الصحيح غائب، والمكان الصحيح غائب، هكذا تكلم الشاعر الإنجليزي ت.س.إليوت في قصيدته زمن التوتر.. هي فقط المساءات التي أخطأها غيثها، بينما الربيع بأيد عجاف يدق باب السماء.
أغالب الليل بالقراءة، ويعاندني النهار بثقل ساعاته الرمادية. الكرونا والهلع طاردا شمسه.. بأي ذنب تعاقب الأرض؟ عزلاء من كل فرح. تطفح أيامي بالحزن، ويهيج غربتي استبدادُ القلق بالأصوات التي تصلني من التلفزيون.. بالأمن الذي يختال بالشارع ..من بالناس المهرولة تحت شرفتي..أبحث بحواسي عن نغمة استمر تجعدها، ورددتها ذبذبات الأثير، بعد أن سكن الكل، وفتر دفء الحواس.
بينما نفسي تحدثني باقتحام خلوة الشارع القابع تحت شرفتي، الغارق في صمته، لعلنا نحظى بلحظة أنس، نغيظ بها “كورونا” المستفز. تباغتني “نحلتي ذات القلب الذهبي”. تقترح علي مرافقتها لاقتناء بعضا من حاجيات البيت..طفلة عدت.. أخجلتني فرحتي..
كان الناس امام المحل التجاري الكبير نسبيا، يصطفون فرادى، ومتباعادين، كما يقتضيه قانون ساكسونيا بل قانون كورونا..كان الصف يتقدم ببطء..أغلب عناصره يتلهون بهواتفهم النقالة..امرأة مسنة من الصف تسأل رجلا يجر سلته ذات العجلات، يبدو أنه خرج من نفس المحل، تستفسره عن مدى وفرة البضائع، أجابها أن هناك من السلع ما هو متوفر، ومنها ما نفذ.
نحلتي ذات القلب الذهبي، كانت هي الأخرى منشغله مع محمولها. كنا معا نحترم المسافة التي يتعامل بها المرشحون للتسوق، غير أنها من حين لآخر كانت ترفع عينيها نحوي لتطمئن علي. أنشغل بدوري بأعشاب برية تستوطن قطعة أرضية مسيجة..أسائل الطبيعة عن أسرار جمالها..أخضر مع بنفسجي يعطي جمالا..و أخضر مع أصفر ينتج أيضأ جمالا..وأحمر مع أخضر يلمع بالجمال..يسحبني من تيهي الجميل، صوت أجمل لحسناء تفيض جمالا، رغم الكمامة التي تحتل نصف وجهها..تجلت للمصطفين، وهي تنادي، متسائلة بصوت رخيم، إن كان من بين الوقوف مريض..ترتعش شفاه نحلتي الذهبية خجلى..الحسناء تنهي الصف هبوطا، ثم تصعد لتقف عند نحلتي الذهبية، بقوة جاذبية ما توحي به ملامحها. تسأل ( وتذكر هذه المرة اسم لمرض )..تلتقي أعيننا الستة. يتغشانا الموقف، نتواصل..
تقودنا الصبية جهة البوابة حيث مادة المعقم والمنادل الورقية.. نأخذ وقتنا في التسوق ..نقف في صف الأداء..تلتقطنا عينا الصبية مرة أخرى، تنادي علينا، دون نسيان الاعتذار للصف..أُفعم الفضاء بالرحمة.. تشرق عيناي بدمع يبارك التراحم. حركة بسيطة قربت مشاعرنا ممن نعدهم غرباء.
كانت نسيمة نسنست وسط هجير الآلام ، فأعادت نبض الحب إلى الأفئدة، كأنه لم يعد في الكون شيء قبيح..

Loading...