“حلم” قصة قصيرة ليوسف خليل السباعي

فتاة من الزمن الماضي

يوسف خليل السباعي

في الواقع، لم أفهم أن تأتيني هذه الفتاة في الحلم. لكن هذا يبقى مجرد حلم. وكثيرا ما يتبخر الحلم لحظة الاستيقاظ، ولا يفضل منه سوى نثار من الصور، والكلام، الذي ترسخه الذاكرة. بيد أن الأغرب في هذا الحلم هو أنه قريب من الواقع، وهاهنا التباسه.

من تكون هذه الفتاة؟… إنني أعرفها ولا أعرفها في الوقت نفسه، لكنه شيء يذكرني بالماضي.

أتذكر أنني أرسلت لهذه الفتاة دعوة لحضور لقاء ثقافي يهمني، فأجابتني بود:

– شكرًا جزيلا.. بالتوفيق…
– شكرا _ عزيزتي _، حضورك سيكون مهما بالنسبة إلي.

هاهي الآن _ في الحلم دائما _ تحضر اللقاء.

– أشكرك على حضورك في لقائي الثقافي، أتمنى لك كل السعادة، أضأت الفضاء بجمالك…

ليس لدي رقم هاتفك لأشكرك، هذا هو هاتفي… وشكرا. دامت الصداقة والمحبة.

– تمتعت كثيراً بالاستماع إلى “مذكراتك” الشيقة و مرورك المميز والمفيد.. شكرًا لدعوتك لى و لكلماتك الرقيقة.

مشهد آخر من الحلم:
-مساء الورد…
كيف حالك؟…
رأيتك من بعيد… وكنت قريبة مني هيء…هيء… هيء… تعجبني شخصيتك القوية والجميلة
– شكرًا
-كيف حالك ؟
– بخير، ما يهمني بالدرجة الأولى، صدقا، هو أن تكوني أنت بألف خير.
– أنا بخير.. شكرًا جزيلا…
– هل هناك جديد في حياتك؟
– …………………….

الفتاة لا تزال ماثلة في الحلم. أشم رائحة الأدوية في الحلم. أمر غريب.
– مساء الجمال والنور
عزيزتي، لدي دعوة خاصة لحضور مؤتمرنا… كنت سأتصل بك، لكنني ضيعت رقم هاتفك بسبب سقوط هاتفي وضياع الرقم بعد إصلاحه. هل من الممكن أن تكتبي لي رقم هاتفك من جديد وشكرا.
سأتصل بك غدا…
-وتلك السيدة…
– ليس لي معها شخصيا أية مشكلة…
فقط لا أحب تملقها
كما أننى قطعت علاقة الصداقة بواحد من الناس
– لم أفهم. أنت فتاة غامضة.
– أنت هو الغامض حقا… أعرف، ولك الحق… ذاك الشخص غير واضح. وصلتي به هي عادية، لا أكلمه كثيرا، فقط عندما أكون جالسا في المقهى… يظهر، يحييني، ويختفي… في رأيي اتخذت القرار الصائب. المهم أنني أعتز بصداقتك، وأعتبرك دائما جميلة وواضحة. اسمح لي، أنا أعبر عن مشاعري
– شكرا

– لا حاجة للشكر. فأنا أعتبرك صديقة عزيزة.
– مع أنك لا تعرفني جيدا !

فتاة الحلم ذكية، وليست مثل بعض الفتيات الغبيات.
أجبتها بفطنة. غريب امتدحتها، أيضا.
– حقيقة لا أعرف عنك الشيء الكثير، هذا أمر، ربما يكون مهما أو لا، لأنها حياتك الخاصة، وأنا ليس من طبيعتي، و ليس من حقي، أن أتدخل في حياتك الخاصة. كل ما أعرفه أنك لك شخصية كاريزمية، ولبقة، وأنيقة، و جميلة. لكن ما يهمني أكثر هو أن لك شخصية مستقلة، وجاذبة. وأنا أحب المرأة على هذا الشكل. وإن كنت لا أعرفك جيدا، فأنا مايروقني أكثر معاملتك معي، وحضور ك الأخير في لقائي أسعدني جدا.
– ماذا قلت؟
– آه…فهمت.
– غداً سيكون لى “شغل” في وسط المدينة.. مساء.. إذا أردت أن تعطيني الدعوة
– سأتصل بك مساء في تطوان. وشكرا على اهتمامك.
سأرسل لك حالا البرنامج الذي نشرناه…
– شكرا
– لا شكر… تصبحين على خير. مرة تشكرينني، ومرة أنا أشكرك، شيء ما غير عادي هيء…هيء…هيء…
فتاة الحلم تودعني بالفرنسية:
Ok bonne nuit

– رأيت البرنامج…
أنت عزيزتي مرحب بك في المؤتمر كمشاركة
ليلة سعيدة
وتصبحين على خير.

نور في الحلم

منزعجا. صباح النور
– اتصلت بك أكثر من مرة ولكنك لا تردين. أنا قلق عليك صديقتي العزيزة. أنا في تطوان، المؤتمر اختتمت أشغاله. أرجو أن تتصلي بي وشكرا. مع محبتي.
– معذرة، كنت نائمة تعبت اليوم كثيرا.
عيد الأضحى يحتل مكانا في فضاء الحلم.
الكبش جذلان، لأنه سيذبح.
قلت لها:
عيد بهيج. هذا ما أقوله أنا، لكن االعادة تقول هكذا : عيد مبارك سعيد. كل عام وأنت بألف خير، وفرح و بهجة إيمان. أيتها الصديقة العزيزة، الفاتنة، الخالبة، المشعة نورا وجمالا.

تكتب في الحلم رسالة قصيرة، عبارة عن تهنئة بالعيد، مع أنني لم أكن فرحا لا بالعيد أو بسواه.
أرسل لها أغنية للراحل العزيز في الحلم أيضا أغنية كتبتها يد الوردة.
” عينك مالت اليوم
تقول بصاح
إلى عشاقتيني

أنا باين عليا مغروم
وانت … وخّ منخلا
عارفك كتحديني

كان عندك أمري محسوم
بينتي باللي عجبتك
وأنا شحال ملّي عجبتيني

جيت أنا هديتك مشموم
فايض بالغرام
عساك تحن وتبغيني”…

هي، تكتب في الحلم:
– جميل ما كتبته
– شكرا على شعورك الرقيق. كتبت شيئا عن أمي أيضا. تذكرت ذلك عندما كلمتني عن أمك… الحقيقة أننا لا نعرف قيمة الأم إلا عندما نبتعد عنها، وأنا لظروف خاصة ابتعدت عن أمي لشهرين، لم أراها، وأحسست أنني أرتكب خطأ فظيعا، وزرتها يوم العيد. كانت مريضة، ولكنها كانت تقاوم، وتدخل للمطبخ، وقلت في سري: كل هذه السنوات من التضحيات، والصبر، ومازالت أمي تقاوم، استغربت لشجاعتها، فكتبت شيئا بسيطا. لا متني على غيابي، فقبلتها وقبلت رأسها. ولكنني أحس بأنني أخطأت في حقها، ولم أرتاح إلا بعدما سمحت لي. إنه قلب الأم، صادق، شفاف، مثل البلور، كمثل قلب طفل أوشاعر، أو عاشق. قلب كبير.
– صمت في الحلم.

-صمتك كلام أيتها العزيزة، ولكن لابد أن تتكلمي، عبري عن مشاعرك بالكتابة
يبدو أنك مشغولة، سأخرج الآن، وسأتصل بك فيما بعد…
صمت في الحلم. بعد ذلك تبوح لي:
أ عرف جيدا قيمة الأم … وأتألم كثيرا عند رؤيتها تجهد نفسها في سبيل خدمتنا.. وهذا في الحقيقة ظلم خاصة من طرف زوجها
وما إن نطقت هذه الجملة، حتى استفقت من الحلم، وأنا أرتعش.
-الأم قيمة عظيمة. ليحفظهما الله لنا. سأتصل بك قريبا بخصوص الدعوة للمعرض.
‏ولكن لم يكن هناك، في الحقيقة، معرض. لقد تبخر هو الآخر في الحلم، ذلك أن فتاة الزمن الماضي اختفت، ولم يعد لها وجود، بعد أن سافرت نحو المجهول.

Loading...