بقلم: يوسف خليل السباعي.
هل يمكن للروائي أن يتنبأ بشيء، ثم يقع، يحدث، وحتى إذا وقع هذا الشيء. ليس بوسعنا تصديقه. لأن الروائي لايتنبأ.
لن أدخل في التفاصيل المحيرة لهذا اللغز. لأن اللغز هو المجهول_ أو لنقل، المستحيل، والمستحيل في الأدب يطرح استفهاما معينا، أو لنحدد: الكتابة شيء غير دقيق. إن الكاتب الروائي لا يكتب روايته من فراغ، وإنما من فكرة تختمر في ذهنه، ومن خلال تقنية يعتمدها، جوهريا، في الكتابة، وأداته هي اللغة. إنه يبني عالما مغلقا داخل نص…، يظل بعد الطبع، بداهة، مفتوحا على قراءات شتى.
فإذا تناول الروائي موضوعا يتعلق بعالم الفيروسات، مثلا، لايمكن أن ينظر إليه من زاوية تنبؤية، لأن الروائي لايتنبأ. إن الروائي يبني عالما مغلقا بشخوص وحوارات وتفاصيل صغيرة، جزيئية، بواسطة تخييل ذاتي، وهذا التخييل الذاتي لايمكن أن تكون له علاقة بأي “مظهر” تنبؤي. ليس في مستطاع الروائي أن يقول لنا ماسيقع، أو ماسيحدث، إنه سجين الذاكرة والجسد، حيث تلعب هذه الثنائية عبر اللغة ومن داخل اللغة، كيفما كانت هذه اللغة، دورا محوريا في الأحداث والتقطيعات البنائية والتركيبية للرواية. إن الروائي، إذا عدنا إلى صميم الأدب، لايتكلم في الرواية، إنه يختفي وراء كلام ( بالمعنى الأدبي للكلام) أصوات سردية، ووراء شخوصه، وهذه الشخوص ليست من لحم ودم، وإنما هي كائنات ورقية، وهذه هي معضلة السينمائيين، ففي اللحظة التي يحولون فيها رواية ما إلى السينما يقعون في فخ اللغة، وهكذا لاينقلون تلك الرواية وإنما فيلم/سيمولاكر الرواية، بمعنى يغدو الفيلم سيمولاكر، أي ليس الأصل وإنما النسخة، فالفيلم المأخوذة عن الرواية ليس الرواية، وإنما فيلم خاص بذاته. ولهذا نجد مجموعة من الروائيين غير راضين عن تحويلات رواياتهم إلى أفلام سينمائية. وهناك أمثلة عديدة.
لنعد إلى موضوعنا: إن الروائي، الذي يريد البعض جعله يتنبأ- بشيء، إذا تنبأ بشيء قد يحدث، فلأن الموضوع فرض واقعة في حينها، انبجست في ذلك الوقت عن فكرة اختمرت في ذهن الكاتب الروائي، انطلاقا من قراءاته وسماعه ومباشرته لتجارب حياتية ومجتمعية، بله علمية، ثم جاءت الرواية على ذلك الشكل. المعضلة الأساسية، أن الرواية، وإن كانت كتبت في زمن مضى، أي رواية لاتعلن إلا عن موتها، ولايمكن أن تتنبأ بشيء. لكن من يؤول الرواية بهواه، أو بمنهجيةما، أو بكلام ما، فهو من يسقط في الفخ. ويتصور أشياء لم يكن الروائي يفكر فيها على الإطلاق، لأن التنبؤ بالمستقبل هو (أسطورة) بالمعنى البارثي ( نسبة إلى رولان بارث) للكلمة كما هو حال التنجيم، وهذا موضوع آخر.