يوسف خليل السباعي
قرأت العديد من الروايات، ولو أتيحت لي الفرصة للكتابة عنها في الصحافة، لكتبت، ولكنني كنت أقرأ وأحتفظ فقط برؤوس الأقلام، كانت عبارة عن ملاحظات، ولكن ماكايهمني بالدرجة الأولى هو القراءة، حيث لعبت هذه الأخيرة دورا مهما وبارزا في حياتي، لكن قراءة روايات نجيب محفوظ كانت موجودة منذ فترة الطفولة، وحتى اليوم لازلت أحتفظ بكل رواياته، وأتذكر أنني قرأت على المباشر روايته “قلب الليل” منذ شهور. والحقيقة أنني كتبت كذلك عن “أصداء السيرة الذاتية” و”أحلام فترة النقاهة” في مجلة رقمية للكاتب المصري ماهر طلبة من زمن بعيد، وكان هذا الكاتب المصري ينشر لي كتاباتي وقراءاتي النقدية، وقصصي القصيرة، وكانت المجلة الآنفة الذكر ذات شكل مرونق ومحتوى خلاب، وهي مؤثرة، فعلا، وتغري بالكتابة فيها.
ٱتذكر في ذلك الوقت كان ما ينشر له قيمة أدبية ومعرفية وثقافية، وكان هناك اهتمام كلي ونوعي بالمادة الصحفية أو الأدبية المكتوبة، وكانت المادة لاتنشر كما اليوم نشرا عشوائيا، وإنما بشكل تدقيقي وتمحيصي، واعتباري، كان الكاتب والصحفي له قيمة اعتبارية، وحضور، ولكن ذاك وقت وهذا وقت آخر، ولا أدري لماذا نحن في المغرب كان بعض أدبائنا وكتابنا وشعرائنا ومثقفينا في وقت سابق منتفخين ومغرورين، ولايرون أحدا غير ذواتهم، ولكنهم كانوا يعملون على شكل بيروقراطي، وإقصائي، فليس كل المثقفين في ذلك الوقت أبرياء، ولكن الوضع الثقافي في المغرب كانت تطبعه عوامل سياسية وإيديولوجية، وتصنيفية، وتقسيمية، ولكن لن يستفيقوا من هذه الدوخة الثقافية إلا بضربة على الرأس، فيما بعد، ضربة معلم، إسمه دخول التكنولوجيات الحديثة ووسائط التواصل الاجتماعي التي ساهمت في خلخلة المشهد الإعلامي والثقافي في المغرب، والتي أصبحت سلاح من لاسلاح له وأصبح النشر يتم في ثواني معدودة كالبرق، أو كلمعان، ولايحتاج إلى وسيط.
ومع كل ذلك كنت أنا نفسي مع الروائيين والكتاب والشعراء والمثقفين منذ وقت بعيد، وأحضر وأشارك وأتابع وأكتب.
كان هناك أحمد المديني ومحمد عز الدين التازي، وغيرهم.
وكان التازي لطيفا، وأهداني ذات مرة كتيبا عن صديقه الراحل محمد شكري. وتابعت لقاء له بكلية الآداب والعلوم الإنسانية نشر في “العلم”. وهذا موضوع آخر.
وعود على بدء، كتبت ذات يوم:
مايجعل نجيب محفوظ مختلفا عن الروائيين الآخرين هو أنه لايصنف روايته… فلا مجال هنا للتصنيف… يتداخل السياسي مع المجتمعي مع الديني مع الغرامي والواقعي مع التخييلي… وتغدو التفاصيل الدقيقة دلائل علي حيوات فاعلة مدمرة تتحاور وتتساءل وتستنطق تاريخا متأزما وواقعا فاسدا و أفقا ملتبسا.
رواية “يوم قتل الزعيم” هي صرخة.
ومن هنا براعة الروائي نجيب ومقدرته على بناء عالم تخييلي روائي لايحاكي الواقع الفعلي. إنما يدل بأصبعه على صدع وجرح واختلال في مجتمع في حالة تدهور من خلال بناء روائي مختلف.