كورونا: مسافة الأمان بين المحامين ومسافة الأمان بين السلط

محمد مقصيدي

قبل أن نتساءل عن مسافة الأمان بين المحاميين، يجب أولا أن نتساءل عن مسافة الأمان التي يجب أن تكون بين المسؤولين والشعب، ومسافات الأمان الضرورية بين السلطات، ومسافة الأمان بين المؤسسات، مسافات كثيرة لا يتم احترامها ولا يتحدث عنها أحد… كما يجب أن نتساءل ضرورة كيف تسمح الجهات في زمن الحجر الصحي، بأن يتم إفراغ مكتب المحامي بتلك الطريقة الهوليودية القروسطوية؟ لماذا لم يتم القبض مباشرة على الفاعلين والزج بهم في السجن لمخالفتهم قوانين الحجر الصحي التي يتم تطبيقها على الفقراء؟

نحن في حاجة إلى المحاميين في زمن كورونا بنفس درجة حاجتنا للأطباء وأكثر أحيانا، فالأطباء يحافظون على صحة الأفراد، بينما المحامون يحافظون على صحة مجتمع بأسره ومن أدوارهم أن يكون المستقبل في صحة جيدة.

بعض الأشخاص الذين يفهمون أكثر من اللازم في كل شيء، يصرخون أن الوقفة الاحتجاجية للمحاميين من أجل التصدي للشطط في استعمال السلطة وتغول بعض الجهات والأفراد ضد القانون والمؤسسات، هي بمثابة جهل سافر في زمن كورونا وأنهم يعرضون المجتمع للوباء، بعدم احترامهم مسافة الأمان تلك وكذلك عدم احترامهم لمنع التجمهر…

يا صديقي، إنهم بوقفتهم تلك يحافظون على صحة مجتمع بأكمله وعلى صحة مستقبل أبنائك. هم يعرضون أنفسهم أولا للخطر ليس من أجل تضامن عرضي مع زميل لهم، بل للوقوف دون أن تصبح هذه الحالة العرضية هي القانون في البلاد والعرف الذي تتأسس عليه الحياة لسنوات وعقود طويلة.

قبل أن تتهجم عليهم، التفت فقط يمينا ويسارا، وانظر إلى ألمانيا، وفرنسا، وأمريكا وغيرها من الدول الديموقراطية، التي تخرج اليوم فيها مظاهرات أضعافا مضاعفة بآلاف مؤلفة قلوبهم وأكتافهم، وفي سياق صحي أكثر كارثية من المغرب. هذا يعني أن هذه الدول الديموقراطية تؤمن أن انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون ودولة المؤسسات أكثر خطرا من وباء كورونا، ويهدد سلامة مستقبل ومجتمع بكامله

إن استغلال زمن وباء الكورونا لفرض سياسة الأمر الواقع وتمرير ما لا يمكن تمريره في الأوقات العادية، كما كان سيحدث مع قانون 22.20، يفرض علينا ليس فقط أن نصفق بحرارة فقط للخطوة الجريئة والطليعية للمحاميين بوقوفهم الاحتجاجي، بل يجب أن نشكرهم كثيرا على وقوفهم سدا منيعا ضد كل ما يمكن أن يقوض دولة الحق والمؤسسات الآن ومستقبلا.

شكرا، لأصحاب البذلة السوداء، نحن في حاجة إليكم في زمن الوباء بقدر حاجتنا لأصحاب البذلة البيضاء، وأكثر.

Loading...