رشيد نيني
وأنا أتابع خلال الأسابيع الأخيرة مشاهد تحطيم تماثيل شخصيات ظلت تحظى بالنوم بسلام في بطون كتب التاريخ في كل العواصم العالمية، تذكرت كتاب فريديريك نيتشه “أفول الأصنام”، ووجدت أن عنوانه يصلح لوصف هذه المشاهد.
من كان يتوقع أن تماثيلا مثل تمثال الإيطالي كريستوفر كولومبوس الذي اكتشف أمريكا وأباد ملايين الهنود وسرق ذهبهم، أو البريطاني إدوارد كولستون الذي جمع ثروته من تجارة العبيد، أو تمثال الملك البلجيكي ليوبولد الثاني الذي أباد عشرة ملايين كونغولي، ستتم الإطاحة بهم دفعة واحدة.
هكذا فجأة يكتشف العالم المتحضر أن تجار عبيد، مجرمي حرب، وكتاب عنصريون، وقادة عسكريون أبادوا ملايين الأبرياء… كلهم كانت ذكراهم الكريهة مخلدة على شكل تماثيل تحتل أحسن الأماكن في العواصم العالمية.
فجأة اكتشف الناس في العالم المتحضر أن تاريخهم مليء بالجرائم المروعة، وأن رخاءهم وتطورهم قام على جماجم وعظام شعوب وحضارات دمروها تدميرًا.
هكذا هو التاريخ، من مكره أنه يحتفظ بكل شيء حول الجميع، وفي الوقت المناسب يصحح سجلاته ويمحو من صفحاته أسماء كل أولئك المجرمين الذين تسللوا خلسة إلى بطون كتبه متنكرين في هيئة أشخاص صالحين.
الحقيقة التي لا تريد الدول الغنية الاعتراف بها هي أن أصل ثروتها فاسد، لأن مصدره دماء ودموع وآهات عشرات الشعوب ومئات الأعراق وملايين البشر.
من كان سيسمع بدولة اسمها بلجيكا لولا ذهب وألماس الكونغو، أو بدولة اسمها هولندا لولا خشب سورينام وثروات ساحل العاج، وغانا، وجنوب إفريقيا، وأنغولا، وناميبيا، والسنغال، ومن كان سيسمع بدولة اسمها فرنسا لولا بترول وذهب ويورانيوم دول أفريقيا، من كان سيسمع بدولة اسمها بريطانيا لو أنها لم تستعمر كل دول العالم، حتى أنها لفرط تخمتها الاستعمارية سمت نفسها بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
ومن كان سيسمع عن دولة مثل فرنسا لولا بترول وغاز وذهب ويورانيوم أفريقيا ؟
وربما سنسمع المزيد من الفضائح عن تاريخ فرنسا الاستعماري بعدما منح مجلس الدولة الفرنسي
المؤرخ فرانسوا غارنيي الضوء الأخضر للإطلاع على أرشيف فرنسا بخصوص مسؤولية الدولة في حملة التطهير العرقي الذي عرفته رواندا وتسبب في مقتل حوالي مليون مواطن من أقلية التوتسي، على عهد فرانسوا ميتران، مما يعني أن أصناما أخرى ظلت تحظى بالتبجيل قد تهوي في فرنسا قريبا، منها صنم فرانسوا ميتران نفسه.
كل هذه الدول التي تتبجح بانتمائها لنادي الدول الغنية شيدت ثروتها فوق جماجم الشعوب التي استعمرتها ونهبت ثرواتها، ومنها من لازال يقترف هذه الجريمة حتى اليوم اقتصاديا وثقافيا وعسكريا، ومع ذلك يجد الوقت لكي يعطي الدروس حول الحرية والعدالة والديمقراطية.
ومع ذلك تجد بعض الأغبياء عندنا يرددون مثل الببغاوات أن المغرب متخلف عن فرنسا بنصف قرن.
طبعًا غادي نكونو متخلفين بخمسين عام على فرنسا، علاه نسيتو أن فرنسا ستعمراتنا 44 عام ؟
را الحمد لله قدرنا نوصلو لهاد المستوى من بعد الاستعمار الفرنسي والإسباني ومؤامرات الحلفاء.
على الأقل المغرب لم يستعمر أحدا لكي يصل إلى ما وصل إليه من 1956 إلى اليوم.