قراءة في مسودة مشروع قانون المحاماة المعد من طرف جمعية هيئات المحامين بالمغرب

   بقلم – د/ خالد الإدريسي

تقديم:

تعتبر المحاماة أحد أهم المقومات الأساسية من أجل تحقيق العدالة والوصول إلى دولة الحق والقانون، كما أنها تقوم بالعديد من الأدوار المجتمعية التي تجعلها محرك أساسي للتنمية داخل أي مجتمع من المجتمعات ، ولذلك فإن تعزيز دور وقوة المحاماة سبب مهم بلا شك في التأثير إيجابيا على جميع مناحي الحياة وعلى كل المجالات و القطاعات داخل الدولة . أما إذا كانت هذه المهنة تعاني من أزمات ومشاكل , فان هذا يؤدي إلى إضعافها و يؤثر على دورها في القيام برسالتها ووظائفها والتي يحتاجها بشكل أساسي أي مجتمع منها.
وقد خضع الإطار القانوني المنظم لمهنة المحاماة للعديد من التعديلات التي اقتضاها التطور الحاصل داخل الدولة من الناحية السياسية والحقوقية والتنموية ، و كان آخر تعديل هو ذاك الذي صدر بمقتضاه القانون الحالي سنة 2008 , والذي عدل القانون القديم الذي كان صادرا بتاريخ 1993.
و يلاحظ أن المدة التي صدر فيها القانون الحالي ليست بالطويلة ، وبالتالي فبتطبيق المعيار الزمني يمكن القول أننا لا حاجة لنا في تعديل هذا الإطار القانوني ، لا سيما أن تطبيقه تجاوز فقط بقليل العقد من الزمن ، بخلاف قوانين أخرى صدرت إبان فترة الحماية وما زالت لم تعدل إلا بصفة جزئية. ولذلك يمكن طرح تساؤل مشروع حول , هل نحن في حاجة إلى القيام بإصلاح قانوني يخص قانون مهنة المحاماة ؟
من الأكيد على القانون الحالي الذي عدل قانون 1993 جاء بمجموعة من التجديدات حتى لا نقول إصلاحات ، والتي لم تؤثر على مهنة المحاماة ، إلا من الجانب السلبي من خلال الاحتفاظ بالمقتضيات التي تمس باستقلالية مهنة المحاماة ، وتطعيمها بأحكام و مقتضيات أخرى تكرس تبعية المحاماة ، وتخلق عدة عراقيل أمام المحامين الشباب بشكل خاص من أجل القيام بجميع المهام والاختصاصات التي تفرضها الممارسة المهنية لمهنة المحاماة ، ولذلك يمكن القول أن أول سبب من أسباب الإصلاح لقانون المهنة ، هو أن القانون الحالي شكل تراجعا في الكثير من مقتضياتها عن القوانين السابقة مما أثر سلبا على المهنة . ومن بين الأسباب أيضا التي تدعو إلى تعديل هذا النص القانوني ، هو الأزمة القانونية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها مهنة المحاماة ، بشكل جعل وضعية العديد من الزملاء يعيشون أوضاعا حقوقية واجتماعية يرثى لها ، ناهيك عن ذلك التباعد المؤسساتي الحاصل ما بين الأجهزة التقريرية سواء كانت مؤسسة النقيب أو مؤسسة مجلس الهيئة من جهة ومؤسسة الجمعية العمومية التي تشكل قاعدة المحامين من جهة أخرى . كما أن من بين دواعي التعديل هو ضرورة تطبيق وأجرأة توصيات لجنة إصلاح ميثاق منظومة العدالة التي جاء بعدة مستجدات مرتبطة بمهنة المحاماة ، مثلما جاءت بإصلاحات تلامس بعض المهن والوظائف المرتبطة بالمجال العدالة ، ولا سيما منح القضاء استقلالية تامة وإبعادها عن تحكم السلطة التنفيذية . وللإشارة فإن جمعية هيئات المحامين بالمغرب باعتبارها الإطار الوطني الذي يمثل جميع المحامين المنضوين تحت لواء الهيئات السبع عشرة الموجودة وطنيا ، غابت عن النقاش المتعلق بعمل اللجنة المكلفة بإعداد ميثاق منظومة عدالة يصلح لإصلاح هذا القطاع الذي يعاني منذ زمن بعيد . وعدم مشاركتها كان بناء على خلافات ضيقة بين رئيسها السابق الأستاذ النقيب حسن وهبي ، والسيد وزير العدل آنذاك زميلنا الأستاذ المصطفى الرميد ، و هو ما جعل الجمعية تترك الكرسي فارغا و لم تقدم مقترحاتها ، مما جعل الجميع يتفاجأ بوجود مجموعة من التوصيات التي تمس حصانة واستقلالية مهنة المحاماة .
وبعد ذلك حاولت الجمعية أن تقترح مسودة مشروع لقانون مهنة المحاماة على الوزارة الوصية التي تشتغل على مشروع القانون داخل دواليب وزارتها ، من دون إشراك فعلي للفعاليات المرتبطة بالمهنة من خلال مقاربة تشاركية عن طريق تنظيم ندوة وطنية أو ندوات جهوية للتعرف على مطالب واحتياجات جميع الإطارات المهنية من أجل الإصلاح العميق والجدي لهذا القانون . ورغم ذلك فإن الجمعية رغم الانتقادات الموجهة إليها حاولت أن تقدم رؤيتها الخاصة للإصلاح من أجل أن تأخذ به الوزارة الوصية ، كرؤية تعبر عن مواقف جميع الهيئات وجميع المحامين ، ولو أن الجمعية في حد ذاتها كان يمكن أن تعد مسودة أكثر تكاملا ، لو وسعت من نطاق المشاركة في إعداد ودراسة التعديلات التي يمكن تقديمها إلى الوزارة الوصية ، والتي قد تفاجئنا بإصدار قانون يعمق الأزمة ويكرس التراجعات ، لا سيما مع وزير العدل الحالي الذي يتعامل مع إعداد وإصدار القوانين بنفس طريقة إعداد وإصدار المناشير، والقانون 20-22 ليس منا ببعيد . ولذلك و حتى لا نتفاجأ بما قد لا يسر، فانه يجب تحليل ما ورد في مقترحات الجمعية من توصيات بطريقة موضوعية من اجل التعرف على سقف الطموحات المطروحة من لدن مؤسساتنا المهنية.
وعلى العموم ، بعيدا عن هذا السياق التاريخي والموضوعي فإن مسودة مشروع قانون المهنة المقدمة من طرف جمعية هيئات المحامين بالمغرب ، جاء بمقترحات وتعديلات إيجابية ، وسيكون من شأنها في حالة أخذها بعين الاعتبار في مشروع القانون المعد من طرف وزارة العدل أن تعطي نفسا جديدا لمهنة المحاماة ، وستساهم في إخراجها من الأزمة التي تعيشها ، ولكن مع ذلك ينبغي التحفظ عن عدم وصول هذه المسودة إلى الحدود المطلوبة بخصوص بعض المقتضيات الأخرى التي تعتبر أساسية من أجل تحقيق الإصلاح المنشود . فما هي أهم الإصلاحات و المقترحات التي دعت إليها جمعية هيئات المحامين بالمغرب من خلال مسودتها ؟

1) التعديل المتعلق بتعريف المحاماة:
يعرف قانون المحاماة الحالي مهنة المحاماة في المادة الأولى كونها مهنة حرة ومستقلة، تساعد القضاء وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء.
بينما جاءت المسودة المعدة من طرف الجمعية بتعديل جدري شكلي و جوهري على هذا التعريف في المادة 1 من المسودة ، واعتبرت أن المحاماة مهنة حرة مستقلة ، ولكنها أضافت، أنها تعتبر أيضا رسالة إنسانية تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة…
فالتغيير الذي جاءت به المسودة ركز على عبارتين أساسيتين:
الأولى: أن المحاماة رسالة إنسانية ، أي أن محورها هو الإنسان من حيث ضمان جميع حقوقه وحرياته ، وذلك من حيث هو إنسان، وليس بناء على معتقدات أو ديانات خاصة ، وهذه الرسالة ذات بعد وطني ودولي من خلال الاهتمام بالإنسان من حيث هو إنسان على مستوى المجالين , بغض النظر عن الاختلافات الدينية والعرقية والايديولوجية والاثنية. وبالتالي فالمحامي لا يقتصر مجال عمله على الجانب الحرفي والمهني بالمعنى الضيق من خلال القيام بالمساطر والإجراءات لدى المحاكم في إطار القضايا التي ينوب ويدافع فيها عن موكليه و مؤازريه ، ولكن عمله بناء على كونه رسالة إنسانية ، يفرض عليه أن يكون فاعلا حقوقيا وسياسيا ومناضلا من أجل ترسيخ قيم العدل والمساواة بين جميع الناس في جميع أنحاء العالم، والدفاع عن القضايا الوطنية والدولية العادلة التي تشكل الجانب الرمزي والضمني لمهنته النبيلة.
الثانية: هي تعديل وتغيير عبارة ” تساعد القضاء” إلى عبارة ” تشارك القضاء”، هاتين العبارتين متباعدان ومختلفتان في الشكل والمعنى والمبنى ، فعبارة ” تساعد” تحيل على دور ثانوي في مجال تصريف العدالة الذي يبقى اللاعب الأساسي فيه هو القضاء ، بينما عبارة “تشارك” تحيل على تعزيز دور المحاماة الذي لا يختلف عن دور القضاء من ناحية الأهمية العملية في القيام بعملية تصريف العدالة ، فمن دون المحاماة لا يمكن للقضاء أن يقوم بدوره، ولذلك فهذا العامل يفرض أن يتم النص صراحة بهذا التشارك بين سلطة القضاء وسلطة الدفاع من أجل إحقاق الحق وترسيخ العدالة في مفهومها الإيجابي.
ولذلك فإن المسودة قد أصابت حينما احتفظت في المادة الأولى المتعلقة بتعريف مهنة المحاماة، أو على الأقل إدراج معاييرها، من خلال اعتبارها حرة، مستقلة ، وأنها رسالة إنسانية وتشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة. لا سيما أن الفصول الأولى في جميع القوانين تعبر دائما على المبادئ المعيارية والتوجهات العامة التي ستسطر في بقية فصول القانون .

شروط الولوج إلى مهنة المحاماة:
حددت المادة الخامسة من قانون المهنة مجموعة من الشروط من أجل قبول طلب المترشح للمهنة ، وقد أدرجت المسودة مجموعة من التعديلات ، التي همت إضفاء تعديلات جزئية أو كلية على بعض المقتضيات الواردة في المادة الخامسة، ومن هذه التعديلات نجد الشرط المتعلق بضرورة أن يكون من دولة أجنبية تربط بين المغرب وبينها اتفاقية تسمح لمواطني كلا الدولتين بممارسة مهنة المحاماة في الدولة الأخرى ، فهنا التغيير الذي أدرجته المسودة هو تغيير كلمة ” التعامل بالمثل ” بعبارة ” المعاملة بالمثل ” , و التعبير الأخير الوارد في المسودة هو الأقرب إلى الصواب لأن الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي يستعمل عبارة المعاملة بالمثل ، كأداة توازن بين أطراف العلاقات القانونية الدولية.
أن يكون حاصلا على شهادة الماستر على الأقل في الحقوق أو شهادة تعادلها، وذلك بدل شهادة الإجازة في الحقوق أو ما يعادلها المتطلبة في القانون الحالي. وقبل اقتراح المسودة لهذا التعديل ، فإن من أهم توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة ، كان هو الرفع من المؤهل العلمي من أجل الولوج إلى مهنة المحاماة ، على اعتبار أن شهادة الإجازة في الحقوق غير كافية من أجل ولوج مترشحين قادرين على تقديم إضافات نوعية لمهنة أصبحت تعاني من نقص حاد في الكفاءة العلمية والمهنية ، خاصة أن نظام الإجازة الحالي يمكن الطالب من الحصول على الدبلوم في ظرف ثلاث سنوات ، وهي مدة قصيرة وغير كافية من أجل ضبط أساسيات جميع فروع القانون ، فما بالك بتعميق البحث والدراسة فيها. ولذلك قد يبدو منطقيا التوافق مع هذا الاقتراح الوارد في المسودة على اعتبار أن شهادة الماستر تفترض أن الطالب تعمق في الدراسات القانونية وأصبح أكثر استعدادا للولوج إلى المهنة، لكن مع ذلك ، فإنه في نظري فإن هذا التوجه غير صائب أمام معطيات واقعية وقانونية قديمة ومستجدة . ذلك أن الشهادة لم تكن أبدا معيارا من أجل التميز وتحقيق الذات في المهنة ، خاصة أن محامين حاصلين فقط على الإجازة و وجدنا أن لهم مسارات علمية ومهنية متميزة بالمقارنة مع بعض المحامين الدكاترة ومن أصحاب الشواهد العليا. كما أن تطلب شهادة الماستر سيضر بعدد كبير من أبناء الطبقة الشعبية و الفقيرة ، الذي يحرمون من ولوج الماستر لأسباب ليس موضوعية أو علمية ، ولكن لأسباب غير مشروعة ، لا سيما إذا علمنا نسبة الفساد والمحسوبية و انعدام معايير الشفافية و الموضوعية التي أصبحت تطبع الولوج إلى الماستر بصفة عامة ، وبالتالي فإن الظلم الذي سيحس به أبناء الطبقة الشعبية والفقيرة سيكون ظلمين اثنين ، ذلك أنهم سيحرمون من الماستر و هذا هو الظلم الأول وبالتبعية سيحرمون من ولوج مهنة المحاماة و هذا هو الظلم الثاني ، التي تعتبر فرصة للعديد من الشباب المنتمي لأسر متواضعة من أجل تحسين وضعيته الاجتماعية ووضعيته الأسرية . ومن الناحية القانونية فإن نظام الإجازة الحالي فعلا يبقى غير كاف لأنه يتم فقط في ثلاث سنوات ، ولذلك فإن وزارة التعليم الحالي استحدثت نظام جديد بدل نظام الإجازة، يدعى ” البكالوريوس” يتم من خلاله إعادة نظام الأربع سنوات ، من خلاله ويركز على تكوين نظري وعملي وتركيز على اللغات الأجنبية ، ولذلك فأنا اقترح الإبقاء على نظام الإجازة أو نظام البكالوريوس، لأن الشهادة ليست معيارا بأي حال من الأحوال في العمل المهني ، ومن جهة ثانية لأن إعادة نظام الأربع سنوات سيخفف من حدة الانتقادات المتعلقة بالتكوين والكفاءة العلمية لولوج مهنة المحاماة,
و اشترطت المسودة الحصول على “شهادة الكفاءة” بدل “شهادة الأهلية”، وتمنح بحسب المسودة هذه الشهادة من طرف معهد وطني للمحاماة، وليس من طرف وزارة العدل كما هو الحال بالنسبة لشهادة الأهلية.
و بالنسبة لشرط أن لا يكون مدانا قضائيا أو تأديبيا لارتكابه أفعالا منافية للشرف والمروءة أو حسن السلوك ، فإنه تم الحفاظ على نفس العبارة ، وهي تحتمل العديد من النقاشات ، فمن جهة أولى ، فإن المسودة أبقت على نوع من التفضيل بالنسبة للمترشحين الجدد ، حيث اشترطت الإدانة النهائية أي أن يكون الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي به، وغير قابل لأي وجه من أوجه الطعن، بخلاف ما اشترطته بالنسبة لشروط انتخاب النقيب وأعضاء المجلس، التي أقرت فقط أن يكونوا محكومين أو متابعين، أي أن مجرد المتابعة أو حكم أو قرار قابل للطعن يحرمهم من الترشح لمنصب النقيب وعضوية المجلس، وهنا يطرح تساؤل حول مدى إمكانية اعتبار من يدان ابتدائيا واستئنافيا وقام بالطعن، يحق له الولوج إلى المهنة ، فالنص يسمح له بذلك وأيضا ما ورد في المسودة ، لأن إدانته ليست نهائية، وهذا الأمر إن كان يتوافق مع مبادئ أن الأصل البراءة أن الشك يفسر لصالح المتهم، فإنه يتعارض مع مبدأ تمحيص العناصر التي يجب أن تلج إلى المهنة والتي لا ينبغي أن تكون مدانة من أجل رفضها، ولكن فقط لوجود شبهة في ارتكابها أفعال مشبوهة .
ومن جهة أخرى احتفظت المسودة بأن تكون الإدانة خاصة بأفعال منافية للشرف والمروءة وحسن السلوك، والغريب أن جميع الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي أو في الاختلالات التأديبية إلا و من المفروض أنها متنافية مع هذه المبادئ بشكل أو بآخر، ولذلك من الأفضل أن يتم حذف “عبارة الشرف والمروءة وحسن السلوك ” . ولعل خطورة هذا الأمر يظهر بشكل أكثر أهمية بالنسبة لولوج الأشخاص المعفيين من شهادة الأهلية ومن التمرين ، ذلك أنه في بعض الأحيان يتم عزلهم أو إحالتهم على التقاعد لارتكابهم لجرائم خطيرة كالرشوة مثلا ، و يلجون إلى مهنة المحاماة فيما بعد ، وتعتبر غرفة المشورة ومحكمة النقض غالبا أن جريمة الرشوة لا تتعلق بالشرف والمروءة وحسن السلوك ، وبالتالي فإن المنع القانوني لا يطالها ، وهذه الثغرة تــمكن من ولوج أشخاص فاسدين إلى مهنة ينبغي لكافة أفرادها أن يتحلوا فيها بمبادئ أخلاقية معتبرة و منزهة .
لكن مع ذلك فإن الشيء الإيجابي بالنسبة للمسودة هو تعديلها لما يوجد في النص الحالي، الذي كان يعتبر المترشح المدان أو الذي سقطت أهليته التجارية يمكن أن يقبل طلبه إذا رد اعتباره ، بعكس النص الحالي الذي يمنع عليه الترشح ولو رد اعتباره ، وأظن أن توجه المسودة أقرب إلى الصواب ، لأن مسطرة رد الاعتبار سواء التي تتم في إطار زجري أو تأديبي ، تمحوا الماضي وتمنح فرصة جديدة للإنسان من أجل تجاوز أخطائه السابقة، والانفتاح على الفرص الجديدة التي تمنحها الحياة .
2) إحداث المعهد الوطني للمحاماة : (المادة 6)
اقترحت المسودة إنشاء معهد وطني للمحاماة، بدل مؤسسة للتكوين الواردة في القانون الحالي، ومعلوم أن هذا المعهد أو المؤسسة قد تم النص عليه منذ قانون 1993 ومازال حبر على ورق ، لذلك فإن المسودة ركزت على ثلاث أمور بخصوص إنشاء المعهد هي أن يحدث داخل أجل سنة تفاديا للتعطيل ، وأن يخضع لإشراف إداري من لدن هيئات المحامين ، وأن يكون له استقلال مالي من خلال تخصيص ميزانية خاصة من ميزانية الدولة . وهي كلها مقترحات من شأنها أن تعيد الاعتبار للتكوين الأساسي والمستمر الذي تلقاه المحامون الرسميون والمتمرنون، ويعيد للمحاماة اعتبارها واستقلالها من خلال سلطة الإشراف الإداري.
لكن في الواقع، فإن وزير العدل السابق السيد محمد أوجار أشار إلى قرب تأسيس هذا المعهد قبل أن يقال من مهامه الوزارية ، وهناك مسودة مشروع منجز من طرف الوزارة، تجعل الإشراف الإداري خاضعا للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل ، وليس للمؤسسة الوطنية المهنية للمحامين، وهو ما يبين أن التوجه الرسمي يسير في اتجاه اعتبار الوزارة الوصية هي المكلفة بعملية الإشراف الإداري على المعهد ، بخلاف ما اقترحته المسودة ، كما أشارت مسودة مشروع المعهد إلى أنه سيكون مختصا بالتكوين الأساسي والمستمر للمحامين ، وسيكون مقر بمدينة سلا ، وأنه يمكن إنشاء معاهد جهوية في المستقبل .
وهذا التعارض ينبئ على أن مؤسسة معهد التكوين لن تصبح واقعا في القريب العاجل ، أو على الأقل سيتم تنزيل قانون خاص به يعارض ما اقترحته المسودة .

3) التمرين (المادة 11)
في المادة 11 من المسودة اقترحت تعديل بعد مقتضيات المادة 11 من القانون الحالي، وهمت هذه المقترحات ما يلي:
جعل طلب الترشيح يقدم فقط في شهر أكتوبر من كل سنة وتم حذف شهر مارس، وهذا فيه نوع من التضييق على بعض المترشحين الذين قد لا تسمح ظروفهم بإيداع طلباتهم في شهر أكتوبر وينتظرون شهر مارس، فهنا في حالة تطبيق التعديل المقترح من طرف المسودة، فإنهم سينتظرون سنة كاملة من أجل وضع طلبهم في أكتوبر المقبل، وهذا فيه نوع من الحيف في حق بعض المترشحين الذين قد لا يكونون على استعداد مادي لتقديم الطلب أو لعدم إرادة الإدارة المرتبطين معها في فسح العلاقة الوظيفية والشغلية من أجل الولوج .
و من بين أهم المستجدات التي اقترحتها المسودة في هذا الإطار وهو إضافة لم تكن واردة في القانون الحالي، وهو ضرورة إرفاق طلب المترشح إضافة للشروط الوارد في المادة الخامسة ، أن يدلي بما يفيد أداء واجب الانخراط المحدد من طرف مجلس الهيئة ، وهذا التعديل من شأنه أن يقضي على العديد من المشاكل التي كانت تواجهها مجالس الهيئات من أجل فرض رسوم انخراط على المترشحين الجدد ، لا سيما مع القضاء الذي كان مزاجيا ومتضاربا في هذه النقطة على اعتبار أنه ذهب في بعض الأحيان إلى اعتبار أنه ليس من اختصاصات مجالس الهيئات طبقا لمقتضيات المادة 91 من قانون المحاماة أن يفرض رسوم انخراط على المترشحين الجدد ، وإنما الاختصاص العائد لها هو فقط فرض رسوم الاشتراك على المحامين ذوي الصفة والذين هم أعضاء الجمعية العمومية التي يتكلف المجلس بتدبير أمورها المالية والاجتماعية والقانونية ، وليس الأشخاص الذين ليست لهم صفة محام ، وما زالوا أجانب عن المهنة . بينما ذهب اتجاه قضائي آخر إلى عكس هذا الاتجاه حينما اعتبر أن من حق مجالس الهيئات فرض رسوم الانخراط على المحامين الجدد، لأن المادة 91 تمنحهم الحق في تدبير كل ما يتعلق بالأمور المالية المتعلقة بالشأن المهني سواء قبل ولوج المهنة أو بعدها.
ولذلك وتفاديا لهذا التضارب في الاجتهاد القضائي، ولعدم تحكم هذه المزاجية القضائية في عمل مجالس الهيئات ، فإن المسودة كانت موفقة في وضع هذا النص القانوني الجديد من أجل حسم الاختصاص لمجلس الهيئة من أجل فرضه ، وأيضا من أجل القضاء على تضارب العمل القضائي بهذا الخصوص، والذي كان يؤثر على استقلالية المؤسسات المهنية للمحاماة .
و بالنسبة للالتزام صادر عن محام مقيد بالجدول، فإن المسودة أضافت شرط أن يكون في وضعية نظامية تجاه الهيئة التي ينتمي إليها، وهذه الإضافة تعني أن يكون المحامي مصدر الالتزام قد أدى جميع واجباته المالية اتجاه الهيئة وخاصة الاشتراكات، وأيضا أن لا يكون معاقبا بعقوبات تأديبية تجعله غير أهل من الناحية الأخلاقية من أجل احتضان واستقبال محام متمرن جديد، وهناك تغيير آخر هو أن تحويل اختصاصات النقيب إلى مؤسسة مجلس الهيئة سواء فيما يتعلق بالإذن الكتابي المسبق، أو تغييب المحامي المشرف على التمرين عند الاقتضاء، وهذه مسألة إيجابية لأنها لا تثقل كاهل النقيب باختصاصات إدارية ، وأيضا لأن المجلس يتكون من عدد كبير من الأعضاء ممكن يتولوا هذه المهمة الروتينية .
وعلى مستوى آخر فإن أجل البت في الطلب من أجل دراسة الوثائق وعناصر البحث ، الذي اقترحته المسودة جعلته لا يتعدى أجل شهرين ، بعكس أجل أربعة أشهر الواردة في القانون الحالي ، وهي مدة قد تبدو منطقية من أجل التعجيل في البت في طلبات المترشحين الجدد ، إلا أنه من جهة أخرى قد ترهق المجلس ، لا سيما إذا اعتمد على النيابة العامة في إجراء البحث و كان هناك تأخر كبير في إنجاز مسطرة البحث ، فهنا سيصبح المجلس مصدرا للكثير من القرارات الضمنية بالرفض رغم أنه لم تكتمل لديه عناصر البت في الطلب ، لذلك أظن أنه من الأفضل البقاء على الأجل المحدد في النص الحالي ، تفاديا لصدور قرارات ضمنية، يتم الطعن فيها أمام غرفة المشورة، رغم أن المجلس كان ليوافق على الطلب دون مشاكل.

4) ولوج القضاة للمحاماة
من مقترحات الجمعية تقييد ولوج القضاة الى المحاماة تحت توفر شرطين أساسين الأول عدم تجاوز سن 50 سنة و الثاني هو الحصول على شهادة الدكتوراه ، و هو ما يظهر أن الجمعية تشددت في مقترحها الرامي إلى شن شروط صارمة لولوج القضاة للمحاماة . و إذا كان ما ذهبت إليه الجمعية في مقترحها له ما يبرره من الناحية القانونية و الواقعية ، من خلال تكريسه للتعامل بالمثل مع يفرضه النظام الأساسي للقضاة من ضرورة توفر المحامي على أقدمية تفوق عشر سنوات و حصوله على شهادة الدكتوراه ، و أيضا للحد من تدفق جحافل القضاة على مهنة المحاماة و إستغلال بعضهم لوضعيتهم و صفتهم السابقة في القيام بالسمسرة و المنافسة غير المشروعة ، فإنه ينبغي الإعتراف على أن هدين الشرطين مجحفين في حق بعض القضاة الذين يريدون الولوج للمهنة حبا فيها و من أجل الرفع من مستواها و التقيد بأعرافها و تقاليدها . و لذلك أظن أن التركيز لا يجب أن يكون من خلال إقرار من هذه الشروط ، و لكن يجب أن يكون أساسا من هلال وضع معايير لولوج قضاة أكثر شفافية و أكثر مصداقية ، و محاربة و منع عناصر قضائية مشبوهة و تم عزلها او احالتها على التقاعد التلقائي لإدانتها لقيامها بأفعال مشينة ، و بالتالي فالهاجس الأخلاقي أكثر أهمية من الاجس الزمني او العلمي الذي يبقى ثانونيا مادامت التحربة و الحنكة القضائية لا علاقة لها بالزمن أو الشهادة العلمية . و من بين ما اقترح في هذا الصدد ادراج شرط أن اي قاضي تم عزله او احيل على التقاعد التلقائي لسبب تأديبي سواء تعلق بالمروءة و الشرف و حسن السلوك ، يمنع منها كليا من ولوج مهنة المحاماة الشريفة العفيفة التي لا تقبل الا من هو خير و ذو سمعة حسنة .

5) أداء القسم (المادة 12)
قامت المسودة بإجراء تعديل موسع على أداء القسم الذي يؤديه المحامي سواء من ناحية المضمون وأيضا من ناحية الشكل.
فمن ناحية المضمون دققت المسودة في بعض العبارات الواردة في صيغة أداء اليمين ، وأيضا عملت على حذف عبارات تنقص من حرية واستقلالية مهنة المحاماة ، فقد دققت المسودة ما يقسم عليه المحامي من خلال ذكرها عبارات ” مهام المحاماة ” ، بعكس الصيغة الواردة في المادة 12 من القانون الحالي التي حصرت في مهام الدفاع والاستشارة فقط، ومعلوم أن العبارة المستعملة في صيغة المسودة أكثر انضباطا لأن مهام المحاماة غير محصورة فقط في الدفاع والاستشارة ، ولكنها تمتد أيضا إلى إعداد الأبحاث والدراسات وتحرير العقود ، والقيام بالوساطة والتحكيم ، وباقي الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، فاعتماد صيغة أداء اليمين الحالية في هذا الشق، يجعل المحامي بريء في يمينه حين يقوم بمهامه الأخرى غير الدفاع والاستشارة ، وهذا الأمر لا يقبله عقل ولا منطق.
كما أن المسودة حذفت عبارات تؤثر بشكل سلبي على استقلالية المحاماة، وتجعلها مقيدة بقيود عتيقة وذات طبيعة استعمارية ومخزنيه مثل ” أن لا أحيد عن الاحترام الواجب للمؤسسات القضائية ” ، ” وأن لا أبوح وأنشر ما يخالف القوانين والأنظمة …” واحتفظت المسودة فقط بضرورة احترام المحامي لقواعد المهنة التي ينتهي إليها ، وأن يحافظ على السر المهني، وتعني القواعد المهنية كل من قانون المهنة والنظام الداخلي للهيئة التي ينتمي إليها المحامي، وأيضا أعراف المهنة وتقاليدها التي ورثها المحامين جيلا عن جيل، و هذه الصيغة التي اقترحتها المسودة تتماشى مع ما ينبغي أن يسود داخل مهنة المحاماة من حرية وقوة وشجاعة لقول الحق والدفاع عن العدالة ونصرة المظلوم ، ولا يهم في ذلك أي عائق قانوني أو مؤسساتي . كما أنه يمكن القول أن صيغة اليمين الحالي استقيناها من التشريع الفرنسي المتعلق بالمحاماة ، لكن ينبغي الإشارة إلى أن هذا الأخير أزال هذه العبارات منذ تعديل قانونه في بداية التسعينات ، وأصبحت صيغة اليمين لا تتضمن هذه العبارات التي تعبر عن الخضوع والخنوع والتبعية وانعدام الاستقلالية ، وحتى إذا تأملنا في بعض التشريعات المقارنة سنجد على أن المشرع المصري والتونسي لديهما صيغة يمين بسيطة ولا تتضمن هذه القيود غير الحقوقية كالاحترام وعدم البوح وعدم النشر، وبالتالي فصيغة اليمين المقترحة في المسودة المعدة من طرف جمعيات هيئات المحامين بالمغرب، جد إيجابية ومتطورة من الناحية الحقوقية ومن ناحية ضمان حق الدفاع وترسيخ استقلالية المهنة.
أما من ناحية الشكل والمسطرة فإنه يمكن القول أن المسودة اقترحت اقتراح جريء من خلال جعل هذا القسم يؤدي بمحكمة الاستئناف في جلسة خاصة ، أمام مجلس الهيئة ، و يرأسها النقيب ويحضرها الرئيس الأول والوكيل العام للملك ، وذلك بعكس الطريقة التي يتم بها تأدية القسم في المادة 12 من قانون المهنة الحالي ، والتي تؤكد أنه يؤدى هذا القسم أمام محكمة الاستئناف في جلسة خاصة يرأسها الرئيس الأول ويحضرها الوكيل العام ، وكذا نقيب الهيئة الذي يتولى تقديم المترشحين المقبولين . فجلسة أداء القسم كما اقترحتها المسودة من شأنها أن تعيد الاعتبار للمؤسسات المهنية ، ولا سيما مؤسسة النقيب الذي يترأس هذه الجلسة محاطا بمجلس هيئته . بينما الجانب القضائي المتمثل في السيد الرئيس الأول والسيد الوكيل العام للملك ، يحضران فقط من أجل المشاركة الاحتفالية والرمزية ، وهذا المقتضى الشكلي لا يقل أهمية عن التعديلات الموضوعية التي اقترحتها المسودة على صيغة أداء القسم ، لأن كلاهما يكرس قوة المحاماة ورمزيتها واستقلاليتها.
وتعد جلسة أداء القسم كما اقترحتها المسودة ليست ببدعة خاصة ، ولكن العديد من الدول في العالم تعتمدها كمصر والبرازيل والبيرو، كما أن بعض الهيئات المهنية التي يؤدي المنضوون إليها القسم ، يقومون بذلك أمام المجالس المسيرة لهذه المهن ، كالأطباء والصيادلة والمهندسون على وجه الخصوص ، وبالتالي يمكن التأكيد أن المسودة كانت ناجحة وموفقة بخصوص التعديلات الشكلية والموضوعية الخاصة بأداء اليمين.

6) مدة التمرين (المادة 14)
اقترحت المسودة في المادة 14 تعديل مدة اليمين الواردة في المادة 12 من قانون المهنة الحالي، وذلك يجعله سنتين فقط بدل ثلاث سنوات غير كافية لبعض المحامين المتمرين من أجل ضبط جميع المساطر القضائية والضوابط المهنية، ولكن ربما اقتراح المسودة جاء بناء على تفاؤلها ربما، بمسطرة التكوين التي ستتمم بالمعهد والتي قد تؤدي إلى تطوير التكوين الذي يخضع له المحامون المتمرنون ، بشكل يجعلهم قادرين على فتح مكاتبهم وتحمل مسؤولياتهم بعد مرور سنتين من التمرين فقط .

7) مهام المحامي (المادة 30-31-32)
عملت المسودة على تعديل وإضافة مجموعة من المقتضيات المتعلقة بمهام المحامي، والتي تعتبر من أهم المقتضيات التي دوما تثير جدالا ونقاشا ، لتعلقها بالجانب المعيشي والاقتصادي والاجتماعي للمحامين. وهكذا اقترحت المسودة إحداث تعديلات وإضافات على الشكل التالي:
احتفظت المسودة بعبارة أن المحامي يمارس مهامه من دون الإدلاء بالوكالة، وبالتالي فإن الجمعية قد عبرت عن رفضها للتوصية الواردة في ميثاق إصلاح منظومة العدالة من خلال إجبارية تطلب وكالة كتابية من الوكيل ليقوم المحامي بعمله ، ورغم النقاش الذي أثير آنذاك هل تطلب هذه الوكالة ركن من أركان العقد ، وبالتالي فعدم وجودها يؤدي إلى بطلان عقد الوكالة الذي يربط المحامي بموكله ؟ أم أنها مجرد شكلية من أجل إثبات عقد الوكالة ؟ لكن بغض النظر عن هذا النقاش فإن المسودة حسمت في رؤيتها من خلال اعتبار قيام المحامي بمهامه هذه لا يشترط وجود أي وكالة كتابية .
استعملت المسودة ” يختص المحامي وحده دون غيره ” ، بدل العبارة المستعملة في القانون الحالي التي استعملت من طرف المسودة تساير الرغبة التي عبر عنها المحامين في العديد من المناسبات ، بضرورة ترسيخ احتكار رجال ونساء الدفاع للمهام والاختصاصات الواردة في القانون ، مع ضرورة توسيعها لجعلها تتناسب مع تطور المهنة وتطور المجتمع.
أضافت المسودة أن من بين أهم المحامي التي ينبغي إضافتها هي مهام التحكيم والوساطة والمصالحة وكل الطرق البديلة لحل المنازعات ، لا سيما أن هذه الاختصاصات تمارس من الناحية الواقعية من طرف المحامين الذين أصبحت لهم تجربة مهمة في هذا الإطار، كما أضافت المسودة بعض المهام الأخرى التي أصبحت لها أهمية كبرى في الوقت الحالي، لا سيما أنه يترتب عنها انتقال وتداول مبالغ مالية خيالية ، مثل مهمة وكيل في الميدان الرياضي والفني ، ومجال الملكية الصناعية والفكرية ، ورغم أن لا شيء يمنع المحامي من القيام بهذه المهام في الوقت الحالي ، إلا أن تأطيرها تشريعيا ، يرشح لمفهوم جديد لمحاماة متطورة وحديثة .
و في المادة 31 اقترحت المسودة أن يتم فرض محام على الشركات التي يتطلب القانون أن يكون لها مراقب الحسابات ، وذلك لكي يقوم بمهمة مستشار قانوني داخل الشركة ، وهذا المقترح الذي يروم توسيع مهام المحامي ، من شأنه يضيف مجال جديد للاشتغال وأيضا موارد مالية للعديد من المكاتب التي تعاني أزمات مالية ، وبالتالي فاستخلاصها أتعاب دورية ومنتظمة من هذه الشركات قد يجعل هناك استقرار مالي داخل العديد من مكاتب المحامين.
وفي المادة 32 دائما أضافت المسودة مقتضيات جديدة تتعلق بتحرير العقود، من خلال التأكيد على أنه لا يجوز تحرير العقود العرفية وتسجيلها بإدارة التنمبر أو تقييدها بالسجل التجاري أو المحافظة العقارية ، إلا إذا كان موقعا عليها من طرف المحام تحت طائلة البطلان ، وهذا من شأنه يوسع من دور المحامين في تحرير العقود بشكل قد يؤثر على دورهم إيجابيا في هذا المجال ، وأيضا يضمن لهم موارد مالية إضافية، خاصة أن هذا المقتضى يستفيد منه جميع المحامين وليس فقط المحامين المقبولين أمام محكمة النقض الذين سمحت لهم بعض النصوص العقارية الخاصة بإبرام عقود ثابتة التاريخ . لكن مع ذلك فإن توسيع عمل المحامين في هذا المجال يثير بعض التوجس لا سيما أنه رغم أن اختصاص تحرير العقود هو اختصاص ثانوي بالنسبة للمحامي ، وأنه لا يحرر عقود رسمية كما هو الحال بالنسبة للموثقين والعدول ، وإنما مجرد عقود عرفية وثابتة التاريخ . فإن المسؤولية الجنائية للمحامي عن تحرير هذه العقود بالنسبة للمحامي ، لا تكيف على أنها جنحة تطبيقا للأصل ، ولكنه استثناء إذا كان هناك تزوير مرتبط بهذه العقود رغم أنها فقط عرفية وثابتة التاريخ ، فإن تكيف على أنها جناية مثلها مثل العقوبة الواردة في التزوير في تحرير محرر رسمي ، وقد تصل العقوبة إلى 20 سنة سجنا، وهذه هي الخطورة المترتبة عن هذا الاختصاص الذي يعتبر سيفا ذو حدين بالنسبة للمحامي.
ومن المقتضيات الإيجابية التي جاءت بها المسودة ، هو تأكيدها على أن التعريف بإمضاء المحامي تم من طرف نقيب الهيئة التي ينتمي إليها المحامي ، وبالتالي فهذا الأمر يعبر عن مطالبة بإزالة ذلك القيد الذي يفرض على المحامين المصادقة أو التعريف بإمضاءاتهم لدى رئيس كتابة الضبط ، وهو ما يرسخ استقلالية المهنة ورقابتها الذاتية على شؤونها المهنية .
و في المادة 33 اقترحت المسودة توسيع مهام المحامي ليشمل تمثيل المحامي للدولة والإدارات العمومية المحروم من النيابة عنها قانونا في الوقت الحالي ، رغم أنه في الواقع تستعين هذه الإدارات بمحامين من أجل الدفاع عن حقوقها ومصالحها ، ولكن تبقى الوكالة القضائية كإدارة تابعة لوزارة المالية هي التي تنوب عن الدولة في المساطر القضائية، وإن من شأن السماح قانونا للإدارات العمومية بالتعاقد محامين من أجل النيابة عنها أمام المحاكم أن يفيد المحامين من جهة لا سيما عن طريق توسيع المهام ودر موارد مالية جديدة ، ومن جهة أخرى حماية حقوق ومصالح الدولة والإدارات العمومية التي تخسر العديد من المساطر و الملفات لعدم كفاءة أو إهمال الموظفين العاملين بالوكالة القضائية ، لغياب الحافز لديهم ، ولعدم تمرسهم على ممارسة المساطر القضائية .

😎 القبول في النقض (المادة 35)
اعتبرت المسودة أنه يكفي المحامي قضاء عشر سنوات من التسجيل في الجدول من أجل أن يكون مقبولا لدى محكمة النقض ، وهذا المقتضى إيجابي إلى حد كبير، على اعتبار أن المعيار الزمني لم يكن بأي حال من الأحوال موضوعيا من أجل تقييم عمل شخص معين من أجل القيام بمهمة أو اختصاص معين ، رغم أنه كان يمكن أن تنفتح المسودة على اقتراح معايير أخرى أكثر موضوعية ، ترتبط باجتياز امتحان أو أي شيء آخر يؤكد كفاءة المحامي العملية والمهنية والعلمية من أجل الترافع أمام محكمة النقض ، ولو أن هذا الأمر ليس مقتصر على المجال القانوني المهني للمحامي ، ولكنه مرتبط بالإصلاح الشامل والمتكامل لنظام النقض ببلادنا.
لكن ما يثير الانتباه هو عدم جعل الأشخاص المعفيين من شهادة الأهلية ومن التمرين من المقبولين للترافع أمام محكمة النقض ، وبالتالي فهل عدم ذكرهم في 35 من المسودة التي توازي المادة 33 من قانون المهنة التي أتت على ذكرهم كلهم باعتبار أن هذا حق مكتسب لهم ، يدل على أن الجمعية من خلال مسودتها تطالب بحرمان هؤلاء المحامين ذوي الامتياز من هذا الحق؟

9) واجبات المحامي (المادة -37-38)
اقترحت المسودة إضافة إلى الواجبات الأخرى المفروضة على المحامي ولا سيما التشبث بالوقار والسر المهني، واجب جديد هو التكوين المستمر، واقترحت أن يخضع المحامي لزوما لتكوين مستمر وفق برنامج سنوي يحدده النظام الداخلي للهيئة التي ينتمي إليها , وأنه في حالة عدم التزام المحامي بهذا التكوين يكون مرتكبا لمخالفة مهنية .
وقد يبدو غريبا هذا المقتضى لدى الكثيرين ، لا سيما أنه يفترض في المحامي ما دام تكوينه الرصين والجيد هو الذي يساعده في أداء مهامه أحسن قيام ، وفي تطبيع صورته ، وحصوله على مداخيل مالية محترمة ، وهو أيضا الذي يقيه شرور المسؤوليات الثقيلة التي يتحملها ، فكيف سيكون مجلس الهيئة أحرص منه على تكوين ينبغي أن يسعى إليه بشكل شخصي وبإرادته ومن دون أي تدخل إجباري من أي جهة ، ولكن واقع الحال يحيلنا على أن عدد كبير من المحامين لا يميلون للتكوين الذاتي لأنفسهم ، ولا علم لهم بالمستجدات القانونية ولا بالمساطر القضائية المستجدة ، وأن هذا الأمر وإن كان المحامي المهمل هو من يتضرر منه بدءا ، فإن المهنة أيضا تتضرر بطريقة غير مباشرة من خلال عجزه وضعف تكوينه ، ولذلك فالتكوين مثلما هو شأن خاص بالمحامي يعتبر أيضا شأنا جماعيا يمكن أن يتدخل مجلس الهيئة من أجل ضبطه وفرضه.
كما أن هذا المقتضى الإضافي الجديد، سيكون تطبيقه وتنفيذه بشكل أسهل حينما يتم إنشاء المعهد الوطني للمحاماة ، الذي من أهم أدواره بالإضافة إلى التكوين الأساسي بالنسبة للمحامين المتمرنين ، القيام بالتكوين المستمر للمحامين الرسميين.

10) العلاقات مع المحامي (المادة 42)
اقترحت المسودة تعديلات مهمة في المادة 42 منها التي توازي المادة 38 من قانون المهنة الحالي، وهكذا اعتبرت المسودة أن المحامي حينما لا يعين موطنه داخل دائرة محكمة الاستئناف، فإن كل إجراء بلغ لكتابة الهيئة التي ينتمي إليها صحيحا، وليس لكتابة الضبط كما هو الحال في النص الحالي ، وهذا التعديل هو أقرب لحقوق الدفاع و لاحترام مبدأ التواجهية ، لأن كتابة الهيئة تتوفر على جميع الوسائل و الآليات من أجل تبليغ المحامين بالإجراءات التي تهمهم .
كما أن من المقتضيات التي أضافتها المسودة في هذا المجال هو اعتبارها أنه لا يعتبر تبليغ الأوامر والأحكام والقرارات القضائية والتأديبية الباتة في الموضوع للمحامي صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية في مواجهة أطراف النزاع . وهذا المقتضى من شأنه القضاء على التضارب في الاجتهاد القضائي سواء على مستوى محكمة النقض أو المحاكم الدنيا، التي كانت تعتبر في بعض الأحيان أن تبليغ الأوامر والأحكام والقرارات الباتة مرتبا لأثاره القانونية لا سيما على مستوى مسطرتي الطعن والتنفيذ ، واتجاه آخر كان لا يرتب عليها أي آثار قانونية أو إجرائية .

11) المساعدة القضائية (المادة 44)
جاءت المسودة بمقتضى جديد في المادة 44 منها، حينما اعتبرت أنه في غير الأحوال الخاصة بالمساعدة القضائية التي يستفيد المحامي المعين فيها من أتعابه ، إذا نتجت عن ذلك استفادة مالية . فإنه في الحالات الأخرى، ولا سيما تلك التي تحدد ميزانية الدولة السنوية مبالغ مالية للمساعدة القضائية والقانونية ، ترصد لصندوق التقاعد مقبول من طرفها ، يؤسس جميع المحامين وتوزع بالتساوي بين جميع أعضائها ، ويتم تحديد المبالغ المرصودة باتفاق مشترك بين هيئات المحامين ووزارة العدل ووزارة المالية وتراجع هذه المبالغ على رأس كل سنتين.
وبعد هذا الاقتراح جيدا إلى حد بعيد ، على اعتبار أنه يرسخ ويقوي الجانب الاجتماعي للمحامين الذين يمارسون مهنتهم بمستقبل مجهول ، أمام على توفر معظمهم على نظام تقاعد قد يعطي احتياجاته بعد توقفه عن المهنة . ولذلك فإن هذه المبادرة مهمة من أجل تعزيز التدابير التي تعزز البعد الاجتماعي وثقافة التضامن التي يجب أن تكون بين جميع المحامين.

12) الحصانة (المادة 58)
عملت المسودة على تعديل المقتضيات المتعلقة بالحصانة في اتجاه زيادة ترسيخها، وذلك من خلال تهذيب العبارات الواردة فيها من جهة استدل بجملة ” لا يمكن اعتقال المحامي” بعبارة ” لا يمكن متابعة المحامي زجريا” ، وذلك بما قد ينسب إليه من قذف أو سب أو إهانة من خلال أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسة المهنة أو بسبها.
كما أن من بين الضمانات التي تعزز الحصانة في مقترحات المسودة هو أنه لا يمكن تنفيذ حكم بإفراغ مكتب محام إلا بعد إشعار النقيب كتابة بعكس النص الحالي الذي لم يكن يشترط شكلية الكتابة، وهي ضمانة مهمة من أجل اتخاذ الإجراءات لضمان مصالح موكلي المحامي ، وأيضا الحفاظ على السر المهني.
كما أضافت المسودة في مقترحها معاقبة كل من يرتكب ضد محام عتقا أو إيذاء بأي وسيلة من الوسائل ، وذلك إلى جانب السب والقذف والتهديد ، وهذا المستجد القانوني من شأنه أن يشكل حماية للمحامي في الكثير من الحالات التي يتعرض فيه للعنف والإيذاء .
وأضافت المسودة في الباب المتعلق بالحصانة ثلاث فصول هي 64 و 65 و 66 جديدة تكرس حماية خاصة للمحامين ومؤسساتهم المهنية جراء ما يتعرضون له من مس بسمعتهم وكرامتهم وشرفهم وأيضا ما ينسب إليهم من أفعال شائنة أو أفشى السر المهني ، وذلك عبر الوسائل المنصوص عليها في المادة 38 من قانون الصحافة .
و اقترحت المسودة في المادة 65 حصانة جديدة من خلال حماية المحامين من الوشايات والشكايات الكيدية التي توجه ضدهم سواء إلى هيئة المحامين أو النيابة العامة أو أي جهة إدارية أو قضائية أخرى ، أو قاموا بنشر ذلك بواسطة جميع وسائل النشر والإعلام ، فإذا تبت أن هذه الأفعال حقيقية أو لا تشكل مخالفة قانونية أو تأديبية ، فإن من قام بها يعتبر مرتكبا لجنحة التبليغ عن جرائم وهمية أو لم تقع ، وفق العقوبات المقررة في القانون الجنائي، ونحن نعلم حجم الشكايات الكيدية وحملات التشهير الذي يتعرض له مجموعة من المحامين عبر شكايات كيدية ، أو عبر الصحافة الصفراء ، أو مواقع التواصل الاجتماعي ، من دون أن تكون مستندة على أي أساس سليم ، وهو ما يعرض المحامي وسمعته وأسرته ومهنته لخطر كبير جراء هذه الأفعال الإجرامية .
واعتبرت المسودة أيضا أنه يمكن لهيئات المحامين أن تنصب طرفا مدنيا في الحالات المنصوص عليها أعلاه ، لمساس هذه الجرائم المرتكبة ضد المحامين ليس بأشخاصهم وصفاتهم فقط ، ولكن أيضا بسمعة المهنة والمؤسسات المهنية .

13) التأديب (المادة 68-70-73)
جاءت المسودة بمجموعة من المستجدات فيما يتعلق بالتأديب، ذلك أنها اعتبرت أنه بخصوص المقرر الصادر بالإيقاف يمكن أن يتضمن عقوبة إضافية يتعلق منطوقه بكتابة الهيئة لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وبــذلك دقق النص القانوني الذي واردا في المادة 62 من القانون الحالي، الذي جعلها مفتوحة من خلال نصه على عبارة “لمدة معينة”، وهذا التدقيق يدخل في إطار مبدأ الشرعية التأديبية التي تقيد الجهة المقررة للعقوبة بنصوص قانونية واضحة لا مجال لتأويلها و تفسيرها قد يضر المحامي المتابع والمعاقب تأديبيا ، ونفس الأمر يمكن قوله بالنسبة لمنطوق المقرر الصادر بالتشطيب الحائز بقوة الشيء المقضي به، ذلك أن المسودة حددت أجل تعليق المقرر في أجل لا يقل عن ثلاثة أشهر، بدل عدم التحديد الزمني الذي كان في النص الحالي .
كما اقترحت المسودة إنقاص الآجالات المرتبطة برد الاعتبار، فبالنسبة لعقوبتي الإنذار والتوبيخ بعد انصرام أجل سنتين من صدورها بدل ثلاث سنوات في النص الحالي ، وبعد انقضاء ثلاث سنوات إذا تعلق الأمر بعقوبة الإيقاف عن المزاولة لمدة تقل عن سنة ، بدل خمس سنوات في القانون الحالي ، وأخيرا بالنسبة للعقوبة التي تزيد عن سنة ، يقدم التماس إعادة الاعتبار بعد خمس سنوات ، بدل عشر سنوات في القانون الحالي. وهذه الآجالات الجديدة القصيرة نسبيا ستساهم في تكريس فلسفة رد الاعتبار، وجعل المحامين يمارسون عملهم بشكل عادي ، مع الاستفادة من أخطاء الماضي .
وفي كل الأحوال فإن المادة 68 من المسودة وضعت مبدأ مهم ، وهو أن المجلس الذي ينبغي أن بث في طلب ملتمس رد الاعتبار داخل أجل شهر من وضعه ، إذا لم يبت فيه ، فإن سكوته هذا يعتبر قبولا له ، وهذا التوجه يعاكس جميع مقتضيات الواردة في المسودة أو في قانون المحاماة التي تعتبر سكوت الهيئة عن البث في القرار بمثابة رفض ضمني له .
اقترحت المسودة فيما يتعلق بتقادم المتابعة التأديبية أن تضيف الشكاية إلى جانب إجراءات المتابعة والتحقيق، كأسباب ينقطع بها التقادم ، وهذا المقتضى يثير بعض الاستغراب ، ولا يخدم مصالح المحامي ، لا سيما أنه قد تكون هناك مجرد شكاية كيدية من أجل قطع هذا الأجل المقرر لفائدة المحامي ، ولو أن المسودة أقرب في نصوص أخرى المعاقبة على الشكايات الكيدية الموجهة ضد المحامين ، إلا أن ضرر قطع تقادم المتابعة التأديبية بمجرد شكاية قد يكون أكثر من نفع معاقبة كل من تقدم بشكاية كيدية .

14) المسطرة التأديبية (المادة 73)
اقترحت المسودة بخصوص أجل بث النقيب في الشكاية المدفوعة مباشرة من مجلس الهيئة أو المحالة من الوكيل العام للملك ، والمقدمة في مواجهة محام ، من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، و إلا اعتبر قرارا ضمنيا بالرفض ، ومعلوم أن تراكم الشكايات على النقيب قد يجعله لا يبت فيهذه الشكايات بالمتابعة أو الحفظ في هذه الشكايات ، مما يجعل الطرف المتضرر، يلجأ إلى الطعن أمام غرفة المشورة ، التي تكفي قرار النقيب وتحيل على المجلس من جديد ، وبالتالي فإن تمديد أجل البث من ثلاث أشهر إلى ستة أشهر سيساهم في منح النقيب وقت كاف من أجل البت في هذه الشكايات متابعة أو حفظا .

كما اقترحت المسودة في المادة 76 على أن النقيب لا يشارك في التصويت قصد اتخاذ المقرر التأديبي في حالة المتابعة من طرفه ، وبذلك عدل النص الحالي الوارد في المادة 70 الذي ينص على أنه لا يشارك النقيب في التصويت قصد اتخاذ المقرر التأديبي إلا إذا تساوت الأصوات ، وما ذهبت إليه المسودة من منع النقيب من التصويت على المقرر التأديبي إذا كانت المتابعة من طرفه ، هو شيء إيجابي ، لمنعه الجمع بين سلطة الاتهام والحكم في يد جهة واحدة ، وهي ضمانة مهمة من ضمانات ترسيخ المحاكمة العادلة التأديبية .

15) الهيئة أجهزتها واختصاصاتها
منحت المادة 91 من المسودة اختصاصات جديدة للجمعية العمومية بتشكل ينقلها من الطابع الاستشاري إلى الطابع التقريري وذلك من خلال منحها الحق في المصادفة على التقريرين الأدبي والمالي ، وإقرار البرنامج السنوي والميزانية الخاصة به والمعد من طرف مجلس الهيئة ، وانتخاب ممثلي هيئة المحامين في الهيئة المختلطة لدى محكمة الاستئناف من غير أعضاء المجلس ، وذلك طبقا لشروط وإجراءات انتخاب أعضاء مجلس الهيئة ، ومناقشة النظام الداخلي للهيئة والنظام الداخلي لحساب ودائع وأداءات المحامين أو تعديلها قبل إقرارهما من طرف المجلس. وإجراء أشخاص المالية الهيئة على أنه رغم أهمية هذه التعديلات و الإضافات المقترحة من طرف المسودة فإنه وضع شرطا شكليا معقدا من أجل إقرارها، وهو مصادقة الأغلبية المطلقة للمسجلين في الجدول ، وهذا الأمر صعب نسبيا تحققه مما يجعل هذه الامتيازات التقريرية للجمعية العمومية مجرد بنود نظرية فقط .
كما أقرت المادة 91 من المسودة أن من حق الجمعية العامة بأغلبيتها المطلقة أن تدعو إلى عقد جمع عام استئنافي للبت في النقط التي تحددها ، وفي حالة تحقق النصاب فإن على مجلس الهيئة دعوة الجمعية العامة الاستثنائية للانعقاد داخل أجل شهر من تاريخ تقديم الطلب . و لا تنعقد إلا بحضور الأغلبية المطلقة للمسجلين بالجدول وتتخذ قراراتها بنفس الأغلبية , ورغم صعوبة تحقق هذا الأمر أيضا ، فإن النص المقترح لم يوضح لنا جزاء عدم مبادرة المجلس لعقد الجمع العام الاستثنائي من تاريخ الطلب ، هل هو رفض ضمني يجوز الطعن فيه أم هناك جزاء آخر ؟

16) انتخاب النقيب وأعضاء المجلس:
اقترحت المسودة في المادتين 93 و 95 على أن من شروط انتخاب النقيب وأيضا أعضاء المجلس ، هو أن لا تكون صدرت في حقه عقوبة تأديبية نهائية ، وبالتالي أضافت كلمة نهائية التي لم يكن منصوص عليها في المادتين 80 و 88 ، وبالتالي فمجرد المتابعة ، أو حتى الطعن في عقوبة تأديبية بالاستئناف أو بالنقض يجعل المحامي المترشح لمنصب النقيب ولمنصب عضو المجلس ، يتوفر على الشروط التي تمنحه هذا الحق.
كما اقترحت المسودة في المادة 93 حصر إمكانية انتخاب النقيب في أكثر من ولايتين اثنتين، تفاديا لاستمرار نفس الأشخاص في نفس المنصب، ومن أجل ترك المجال للشباب ولكل محام له طموح في الحصول على فرصته كاملة في تولي هذا المنصب.

17) عدد أعضاء المجالس
نصت المسودة في المادة 97 على أن مجلس الهيئة يتركب من عدد معين من الأعضاء، وقد رفعت المسودة من عددهم بزيادة ثلاثة أعضاء ، وجعلت عددهم فرديا ، وهذا المقتضى مفيد من الناحية العملية على اعتبار أن أعباء واختصاص مجالس الهيئات الكبيرة ومتنوعة ومعقدة ، وبالتالي تحتاج إلى عدد أكبر من الأعضاء . كما أن جعل العدد فرديا قد تكون له فائدة من خلال الفصل في على حالة التعادل في الأصوات في حالة التصويت على المقررات الصادرة على المجلس ، لا سيما التأديبية التي سيحرم النقيب من التصويت إذا كان هو جهة المتابعة.
وفي نفس المادة اقترحت المسودة أن يكون من بين أعضاء المجلس محاميتان على الأقل، ولو أن بعض المجالس الحالية تتضمن عدد أكبر من المحاميات داخلها ، فإن تواجد المرأة المحامية في مجالس أخرى يبقى دون مستوى التطلعات ، ولذلك فهذا المقتضى ولو أنه لا يكرس مبدأ المناصفة الدستورية بشكل مطلق ، إلى انه قد يكون مؤشر يوجه اهتمام المحامين إلى ضرورة منح المرأة مكانتها اللازمة داخل الجهاز المؤسساتي للمهنة .

18) مهام مجلس الهيئة
منحت المسودة مجموعة من الاختصاصات والمهام الجديدة للمجلس ، وهكذا فقد منحته ارتباطا بالمهام التقريرية التي أصبحت للجمعية العمومية أن تضع النظام الداخلي وتعديله بعد إقراره من طرف الجمعية العمومية ، وأيضا يسهر المجلس على تنفيذ قرارات الجمعية العمومية ، ونفس الأمر بالنسبة لوضع النظام الداخلي الخاص لحسابات ودائع وأداءات المحامين .
ومن المهام الجديدة الممنوحة لمجلس الهيئة نجد وضع نظام إجباري للتكوين الأساسي والمستمر لفائدة المحامين والمحاميين المتمرنين ، وتغييب مراقب حسابات الهيئة ، كما اقترحت المسودة أن تكون جميع المبادرات والمشاريع مهما كانت طبيعتها والتي تقوم بها الهيئة بهدف توفير الموارد المالية لتمويل صناديقها الاجتماعية معفاة من كل الضرائب والرسوم رغم كل نص مخالف.
وأيضا من بين أهم الأشياء التي دققتها في الفقرة السادسة من المادة 98 هو نصها صراحة على أن مجلس الهيئة يختص بتحديد واجبات الانخراط والاشتراك , الانخراط بالنسبة للمترشحين الجدد ، والاشتراك بالنسبة للمحامين الرسميين، وهذا المقتضى من شأنه أن يقضي على التضارب في الاجتهاد القضائي الذي كان يذهب في اتجاه منه على أن المادة 91 من القانون الحالي التي توازي المادة 98 من المسودة لا تمنح مجلس الهيئة سوى فرض رسم الاشتراك وليس رسم الانخراط، وبالتالي فهذا المستجد القانوني سيضع حد للتضارب بالموجود في الاجتهاد القضائي حول هذه النقطة.
كما أن هذه الاختصاصات الجديدة للمجلس من شأنها أن تحدث تطورا لا سيما على مستوى مؤسسة التكوين ، ولو أنه قد يبدو هناك بعض التناقض بين هذا المقتضى والنص القانوني الذي أقر بإحداث معهد للتكوين ، وذلك من خلال من سيتحكم بمهمة التكوين والتكوين المستمر، هل مجلس الهيئة أم إدارة المعهد ، وبالإضافة إلى ذلك فإن المقتضيات الجديدة قد تكون مفيدة من أجل ضبط الشأن المالي للهيئات ، التي يعاب عليها في كثير من الأحيان عدم الضبط والتدبير وسوء التدبير والتسيير، بشكل يؤثر على التوازن المالي للهيئات.
19) التبليغات والطعون:
اقترحت المسودة أن تتم التبليغات لقرارات النقيب والمجلس داخل أجل شهرين من صدورها، وبالتالي فقد دفعت الفقرة الأولى من المادة 99 من المسودة هذا الإجراء الذي لم يكن مرتبطا بأي أجل زمني في المادة 93 من القانون الحالي. وذلك حتى يستطيع الطرف المتضرر من هذا القرار الطعن فيه في أقرب فرصة تسنح له، كما استحدث نفس المادة من المسودة طريقة جديدة من أجل التبليغ إضافة إلى الطرق الأخرى المعروفة ، وهو التبليغ بواسطة كتابة الهيئة وهذا مقتضى إيجابي من شأنه أن يسهل مسطرة التبليغ لوجود معلومات كافية لدى كتابة الهيئات عن موطن المحامي ومحل المخابرة معه ، أو كل ما يمكن أن يفيد في التواصل معه .
اقترحت المسودة إحداث هيئة مختلطة لدى محكمة الاستئناف، لتحل محل غرفة المشورة في البت كجهة استئنافية في المقررات الصادرة عن النقيب ومجلس الهيئة ، وتتكون الهيئة المختلطة من رئاسة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ومستشارين اثنين من القضاة وآخرين ينتخبان من بين المحامين. ومن شأن إقرار هذه التجربة أن يتم تجاوز عيوب قضاء غرفة المشورة كجهة استئنافية التي تتميز قراراتها في الكثير من الأحيان بالمزاجية والتضارب الذي يجعل قراراتها محل شبهة وتشكيك ، خاصة حينما تتكون من مستشارين لا يعلمون شيئا عن الضوابط العرفية والأخلاقية لمهنة المحاماة التي لها طبيعة خاصة في هذا المقام .

Loading...