محمود درويش: “لعلي أخطأت، لكنها التجربة”

يوسف خليل السباعي

ماذا يعني الشاعر الراحل محمود درويش بالخطأ؟!… وماذا يعني بالتجربة؟!… ولماذا سبق الخطأ عن التجربة؟!… إنه أمر يبعث على الحيرة، أو لأقل، إنه أمر مركب!… فأنا أرى كلمة “الخطأ”، ثم أرى كلمة” التجربة”هل هناك مفتاح لي لأقرأهما؟!… كيف ذلك؟!…، لأنني حين أرى الكلمات لا ٱستحضر إلا فراغها من أي معنى. لكن لايهمني هنا المعنى، مايهمني هو هذا الخطأ المرتبط بجسد الشاعر، وجسد الإنسان، الفلسطيني، تحديدا. هل هو خطأ في الشعر أم في الحياة، أم في العالم المضطرب الذي عاش فيه محمود درويش؟!… إلى حد الآن لم أصل إلى مايتوخى قوله من ذلك محمود درويش، يلتف علي الغموض، وتهرب مني الجملة. ولكن الأمر لايتعلق، في نهاية المطاف، سوى بجملة تتركب من الخطأ والتجربة.

إن محمود درويش لايخاطبني أنا أو ال”نحن” في هذه الجملة المركبة بقدر مايخاطب جسده الذي حمل القلم وكتب عن ذلك. يخاطب ذلك الجسد، الذي قد يكون جسدا شعريا أو بشريا في مساره الإبداعي والحياتي، بماتحمله هذه الكلمة من معنى شاسع، فالشاعر طور تجربته الشعرية وتجاوز تلك البدايات الشعرية التي كانت محملة بالخطاب السياسي والأيديولوجي، والتي لا علاقة لها بالنضج الشعري في مراحله الأخيرة التي كانت تجربة شعرية تروم اللذة، والتي هي من صميم الأدب والكتابة الشعرية. إن الشاعر محمود درويش يسائل جسده ومنظومته الشعرية ويعترف بالخطأ، لكنه يعيد الأمر كله إلى التجربة، والتجربة إبداعية وبشرية. أما إذا نظرنا إلى الجملة، من الناحية البشرية، لمحمود درويش هو إنسان، ولهذا لامفر من أن يرتكب الإنسان الخطأ، والخطأ لايأتي من فراغ، وإنما من ممارسة وتجربة قد تكون ذاتية وسياسية وحياتية.

لم يكن جسد محمود درويش مخترقا إلا باللغة، لقد عاش قضية فلسطين في اللغة أكثر ماعاشها في الواقع، عاش باللغة ومات في اللغة، لكن أسلوبه مختلف، ومن هذا “المتن” كانت فرادته وإبداعيته وشعريته اللذية:شعرية مغايرة.

Loading...