يوسف خليل السباعي
أعود بذاكرتي إلى طفولتي، لكنني في الحقيقة لا أتذكر الأحداث والٱشياء في صورها ومشاهدها الأكثر دقة وخلوصا. بالطبع، عندما كان والدي الخليل السباعي رجل التربية والتعليم، والإداري المخلص لعمله التعليمي، المنظم في عمله وحياته، التي هي حياة كفاح، وتعلم، وتثقيف، يمتلك كنزا ثقافيا ومعرفيا وأدبياممتلئا، وخصبا، لا أقول هذا الكلام لتحيز ما، لأنه والدي، ولكن لأنه كان يمتلك خزانة كتب كبيرة وضخمة، ليس الكتب فقط، وإنما المجلات أيضا، والتي كانت تدخل إلى المغرب عن طريق المشرق، ومن هذه الكتب تعلمت القراءة، حتى قبل دخولي إلى مدرسة ابن خلدون الابتدائية. كانت هذه الخزانة الضخمة للدخول إلى عالم الكتب الشاسع. ومن هذا السن إلى الآن لايفارقني الكتاب.
إن الستينات لاتشكل بالنسبة إلي، وأنا طفل سوى ملامسة الكتب، والتعرف عليها، ومعرفة قيمة الكتب في حياة الإنسان، وعند والدي على وجه التحديد، ولكن في السبعينات والثمانينات بدأت تتضح الصور، وتشع، تاركة بصمة في مسيرتي الصحفية والثقافية، التي ستأتي فيما بعد.
كانت القراءة تشكل الجزأ الأكبر من حياتي، وكل هذا، بفضل والدي الخليل السباعي، فلو لم تكن تلك الكتب لما قرأت بمعرفة، ولما تعرفت على أسماء الكتاب والمثقفين والشعراء والأنبياء، لكن حظي كان وافرا ثقافيا، لأنني ولدت في بيت رجل تعليم مثقف.
ماذا اكتشفت وأنا أبحث في أرشيف والدي الخليل السباعي ؟!…، اكتشفت صورا قديمة له مع شعراء وفنانين، لايسع الحيز لذكر أسمائهم، كما اكتشفت قصاصات صحفية، بمعنى أن والدي كان يكتب في الصحف، علاوة على أنه مسرحي، وشارك في مسرحيات، ويكتب قصائد، وهذا تاريخ شخصي ملك له، ولوكان والدي كتب سيرته الذاتية لانكشف لي، لنا، الكثير من القضايا والأمور التي حدثت في ذلك التاريخ.
فكم من الأحداث والأشياء التي تمكث في صدور وأدمغة أشخاص لاتخرج إلى حيز النور وتظل حبيسة في اللاشعور، أي تظل مسكوت عنها.
وإذن، ماذا تعلمنا القراءة، إنها تعلمنا بالدرجة الأولى، بعد نسيان ماقرأناه الأسلوب، وهذا الأسلوب هو ما اكتسبته من قراءات كتب والدي الخليل السباعي. لكن هناك فرق بين الأسلوب الصحفي الذي يرتكز على الكتابة أو التحرير بطريقة سهلة، ولكن ليس ركيكة وغالطة، وأسلوب الكتابة الأدبية، حيث يغدو هذا الأسلوب هو الكتابة!
من هذا العالم تعلمت! وكان والدي يتابع عملي الصحفي بشكل لايصدق، وباهتمام بالغ، وما أنشره، حتى اليوم
كتب ذات مرة والدي الخليل السباعي: ” في بداية الستينات من القرن العشرين على ما أذكر، كنا نلتقي باستمرار أنا ومجموعة من الأصدقاء الشرفاء، كنا ما نزال في مرحلة الشباب ولكن همنا الأكبر كان هو ماذا يمكن ان نحقق من ابداع في ميداني الادب والفن” .
كان من بين أصدقائي- يضيف والدي- مجموعة من شعراء المدينة خلال تلك الفترة فاصبحوا فيما بعد شعراء المغرب بأكمله”.
وكان يقدم في صفحته على الفيسبوك نماذج من قصائد هؤلاء الشعراء كحسن الطريبق ومحمد غريب وغيرهم، ومن بين هؤلاء الشاعر المهدي زريوح الذي قال عنه إنه” يملك حسا شعريا رقيقا ينعكس على أعماله الادبية فيجعلها تمتلك القوة الإبداعية والإحساس الرهيف الذي يعطي للقارئ فرصة التذوق ولذة الاسمتاع بالأدب الرفيع”.
إنه أرشيف ثري، وذاكرة صحفية ومسرحية وشعرية متى سيتم إخراجها بالكامل إلى النور!