يوسف خليل السباعي
تقع رواية ” الجبل السحري” لتوماس مان، المترجمة إلى العربية في997 صفحة. ترجم هذه الرواية علي عبد الأمير صالح، وتضم سبعة فصول، الفصل الأول: عن الوصول، رقم 34 وفي المطعم، الفصل الثاني: عن حوض التعميد، وعن الجد في زيه الثنائي، وفي منزل عائلة تاينابيل وعن الوضع المعنوي للصغير هانز، وفي الفصل الثالث نقرأ: سحب الحجاب، فطور، مزاح. القربان الأخير. مرح مقطوع.
كما نقرأ، أيضا: الشيطان، جمباز فكري، كلمة كبيرة جدا، طبعا، أنثى، السيد ألبين، والشيطان يقدم اقتراحات تمس شرفنا. في الفصل الرابع يروي السارد عن صفقات ضرورية، هامش حول الإحساس بالزمن، إنه يمارس فرنسيته، مشبوهة سياسيا، هيبة، تحليل، شكوك واعتبارات، حديث المائدة، هواجس متزايدة، عن الجدين، ورحلة بالزورق في الشفق، ثم المحرار الطبي. وفي الفصل الخامس يقف السارد عند حساء أبدي، تنوير مفاجئ، حرية، نزوات الزئبق، موسوعي، Humaniora، بحث، رقصة الموت، والليلة الفولبورغية. ونقرا في الفصل السادس عن تغييرات، قادم جديد، عن مدينة الله، الحرية بوساطة الشيطان، غضب، وأسوء، نوبة، وخيبة، عمليات روحية، ثلج.. وجندي وشجاعة. أما في الفصل السابع، فنقرأ، بعد انقطاع النفس، لأن الرواية طويلة جدا، لكنها رائعة، عند محيط الزمن، مينهير بيبركورن، واحد وعشرون، مينهير بيبركورن (تتمة)، مينهير بيبركورن (خاتمة). كما نقرأ، أيضا، الإله العظيم إنقباض، الحد الأقصى من تآلف الألحان، مشكوك فيه بدرجة شديدة، عاطفة هستيرية والصاعقة.
في تقديمه لهذه الرواية، قال علي عبد الأمير صالح، الذي يشير إلى بعض قصص وروايات توماس مان المهمة كمثل: ” الموت في البندقية”، ” الدكتور فاوستوس”، يوسف وإخوته ( بأربعة أجزاء)، “طونيو كروجر”، ” البطة السوداء”، ” فيلكس كرول”، ” ماريو والساحر”، فضلا عن “عائلة برودنبرك” و” الجبل السحري”، إن روايات مان وقصصه لا تخاطب قوانا العقلية مباشرة أو حاجاتنا الغريزية من اجل إعطاء أحكام أخلاقية، وإنما خطط لها لكي تخاطب ذكاءنا وتحسسنا بالتناقض الإنساني الظاهري، كما اعتبر المترجم أن المقاطع التي اشتهرت من “الجبل السحري”حول جو المصح الاستشفائي فيه، ومدى الصدق في تصويره والتعبير عنه، لم يكن من باب المصادفة ولا الخيال، بل كان نموذجه الواقعي، عندما كتب هو عن المصح في “دافو” بسويسرا، أمضت زوجته كاتيا فيه بعض الوقت، بسبب مرضية خفيفة في رئتيها آنذاك.
وأضاف المترجم أن توماس مان اكتسب هناك، انطباعات عن الجو والبيئة، انعكست من بعد إلى أقصى درجات التفصيل والدقة في كتابه. وعن هذه الرواية قال الناقد الأدبي مارسيل رايش- رانيكي ( يستشهد بذلك المترجم): “إنها قمة لم يصل إليها احد من قبل في تاريخ الأدب والفكر والثقافة بألمانيا. وذلك ما تكلم به الكثيرون هنا وهناك في العالم. فقد نجح مان فعلا في أن يجعل هذه الحقيقة تذيع في العالم لتصل إلى بلده من جدبد”. ( توماس مان- الجبل السحري- رواية، ترجمة علي عبد الأمير صالح، الطبعة الأولى، عن منشورات بيروت- بغداد 2010).
ارتباطا بهذه الرواية، وإنا أقرا كتابا بعنوان “درس السيميولوجيا” نصوص لرولان بارت، ترجمه عبد السلام بنعبد العالي وقدم له عبد الفتاح كيليطو، وهو صادر عن دار توبقال للنشر ( ضمن سلسلة المعرفة الأدبية)، سنة 1986، لفت انتباهي أن رولان بارث يتحدث عن رواية “الجبل السحري” بطريقته الخاصة، كمالو أنه يرى “ذاته” في بطل الرواية هانز كاستورب، من الناحية المرضية. لنرهف السمع، والحال هذه، إلى ماكتبه- في ذلك الوقت- رولان بارت: ” منذ أيام أعدت قراءة رواية توماس مان الجبل السحري. يستعرض هذا الكتاب مرضا عانيت منه مدة طويلة هو مرض السل. عن طريق هذه القراءة كنت أحفظ في وعيي مجتمعة ثلاث فترات عن هذا المرض: فترة الحادثة التي تدور قبل حرب 1914 وفترة مرضي أنا حوالي 1942، ثم الفترة الحالية التي لم يعد فيها لهذا المرض، بعد أن قضت عليه الأدوية الكيماوية، تلك الصورة التي كان يحملها فيما مضى. والحال أن السل الذي عرفته لا يختلف إلا قليلا عن السل الذي تتحدث عنه رواية الجبل السحري: كانت الفترتان تمتزجان وتبتعدان عن حالتي الراهنة نفس المسافة الزمنية. تبينت لحظتها باندهاش (والبداهات وحدها هي القادرة على أن تبعث على الدهشة) أن جسمي يمتد في التاريخ. وبمعنى ما فجسمي معاصر لبطل الرواية هانز كاستورب. جسمي الذي لم يكن قد ولد بعد، كان قد بلغ السن العشرين سنة1907، وهي السنة التي استقر فيها هانز في ” البلد المرتفع”. جسمي أكبر سنا مني، كما لو أننا نحتفظ دوما بسن المخاوف الاجتماعية التي شاءت الصدف أن نعرفها”، وفي هذا السياق، يضيف رولان بارث قائلا: ” إذا أردت أن أحيا علي إذن أن أنسى أن جسمي ينتمي إلى التاريخ، وأغرق في الوهم بانني معاصر للأجسام الحاضرة الصغيرة السن لا جسمي الماضي.
والخلاصة أن علي دوريا أن أبعث من جديد وأكون اصغر سنا مما أنا عليه”.
ويعتبر توماس مان أن روايته هذه أكبر سنا من سنواتها، إذ لا يمكن قياس عمرها بطول الأيام، ولا بثقل الزمن على رأسها، الزمن المحسوب بعدد مرات شروق الشمس وأفولها.
ويوضح بإيجاز أن “درجة قدمها لا صلة لها البتة مع مر الزمن”.
وفي حقيقة الأمر، وأنا أقرأ الفصل الثاني من الرواية،تبادر إلى ذهني سؤال جوهري: هل علي فعلا أن أقرأ هذه الرواية كاملة من ” الوصول” إلى ” الصاعقة “، وهي- كما أعلم مسبقا- تقع في 997 صفحة، ألا يمكنني أن أقفز على الفصول، وأكتفي بقراءة صفحات من هنا وهناك؟… غير أنني لم أقدر على ذلك، وبرغم الحيرة والدهشة، قررت أخيرا أن أقرأ الرواية كاملة لأعرف أغوار ” خيال” هذا ” البلد المرتفع” كما كتب رولان بارت.