الخليل بن عبد الودود اخنيبيلة
بسم الله الرحمن الرحيم
يعد التعليم من أبرز مقومات قيام الحضارة ، لذا اهتم العلماء المسلمون بالتعليم، وفي المغرب في نهاية القرن العشرين كان من المهتمين بالتعليم السوسيولوجي عبد الله الشارف خريج السوربون والأستاذ بجامعة عبد المالك السعدي، وكانت محورية فكره الاجتماعي في نبذ الاستغراب، فقام كتابه على هذا الطرح؛ مستحضرا الهوية الإسلامية ومخالفة التربية الغربية لها، فكانت من أبرز إسهامات الأستاذ عبد الله الشارف هذا الشأن:
أولا: تشخيص حالة المؤسسة التعليمية بالمغرب، وقد اعتمد على إحصائيات مثل: جدول عام أعدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في دراستها استراتيجية تطوير التربية العربية1، وكذلك اعتماده على تصريحات رسمية مثل تصريح وزير التعليم حيث “صرح وزير التعليم –آنذاك عز الدين العراقي- بجريدة العلم قائلا: {وقد أثبتت الدراسات التقنية أن أسباب انخفاض مستوى التعليم ترجع لازدواجية لغة التعليم}2.
ثانيا: حدد مكامن خلل التعليم وأرجع سببها إلى الاستغراب وفسر ذلك بالاستجابة للمد الفرانكفوني، وبين تجليات هذه الاستجابة. قال: “تتجلى الاستجابة للغزو الفرانكفوني في إقبال عشرات أو مئات الآلاف من الأباء والأمهات على المدارس الفرنسية والإسبانية التابعة للبعثات الثقافية الأجنبية ببلادنا حيث يقذفون فلذات أكبادهم؛ لكي يتجرعوا سموم التغريب وينسلخوا عن شخصيتهم الإسلامية والوطنية، والأدهى والأمر أن أولئيك الأباء والأمهات يتباهون بهذا العمل الشنيع ويعتبرونه جديرا بالافتخار والاعتزاز”3 . ومن مظاهر هذا الاستغراب الإزدواجية اللغوية، قال: “إن ازدواجية لغة التعليم أخطر عملية من عمليات الاختراق الأجنبي لمقومات الشعب المغربي وأصالته”4 .
ثالثا: استخرج خفايا الاستغراب وعلل التعليم من الكتاب المدرسي؛ مادة اللغة الفرنسية ومادة الفلسفة أنموذجا، هذه الخفايا المخالفة لأخلاق المجتمع المغربي المحافظ، والمناقضة لعقيدته الإسلامية، وذكر الأمثلة والنماذج مع التحليل وإظهار سوء نية القائميين على مجال التربية والتعليم5.
رابعا: أرجع المشكلات السياسية والاقتصادية والتربوية فروعا لمشكلة أساسية؛ هي المدرسة الحديثة قال: “إن جميع المشكلات السياسية والاقتصادية والتربوية التي تعانيها فروع لهذه المشكلة الأساسية (المدرسة الحديثة)”6 .
خامسا: حث على نقد وبناء شامل لقطاع التعليم قال: “يستنتج مما سبق أن أثر الاستغراب في ظهور وتطور أزمة التعليم بليغ وعميق وما لم يقم المسؤولون عن التربية والتعليم بنقد وبناء شامل لقطاع التعليم انطلاقا من نبذ التقليد والتبعية وغرس روح الشخصية الاسلامية فإن أثر الاستغراب سيستمر وسيتجذر أكثر فأكثر” 7.
سادسا: ذكر حلولا للقيام بالتعليم وهي أن يكون ارتباط الدولة بالتعليم ماديا لا غير، وأما وضع المناهج والكتب والأساليب يترك للعلماء، و ذكر مثالا المدارس التي قامت في الدولة العباسية وما بعدها، فنقل عن عبد الرحمان النحلاوي في كتابه –أصول التربية الإسلامية وأساليبها- قوله: “وبقي التعليم في هذه المدارس حرا لا مركزيا من حيث المناهج والكتب والأساليب مع ارتباطها ماليا بالدولة التي تجري لها الجرايات، وتخصص لها الأوقاف والهبات دون أن تقيدها بنظام معين أو مناهج محددة ثقة منها بالعلماء الأفذاذ الذين كانوا يديرونها ويغذونها بالعلم، وبقي الأمر زهاء عشرة قرون، حتى جاء الاستعمار الغربي إلى بلادنا، فعم نظام المدرسة الموحدة والتعليم المركزي التابع لمركز العاصمة في البلاد وللمستشارين الأجانب في الأقطار التي استعمرت عسكريا8.
سابعا: نبه الأسرة إلى مراقبة أبنائها فكريا وثقافيا، فقال: “لا بد من إقامة تعاون صريح بين المنزل والمدرسة، وأن تخصص المدرسة جهازا لتنسيق الاتصال بالأولياء: آباء الطلاب وأمهات الطالبات، وهذه الوظيفة التربوية للمدرسة، إنما تتحقق على الوجه الأكمل حينما تتبنى مبدأ
(التواصي بالحق)” 9.
لقد سعى عبد الله الشارف في كتابه أثر الاستغراب في التربية والتعليم إلى تقديم مجموعة من الرؤى عن التعليم بالمغرب وما يعانيه من مطبات، وشخص مشكلة التعليم في الاستغراب مع التحليل والبيان العلمي الموضوعي، ثم قدم إسهامات فكرية وحلولا جذرية لهذه المعضلة الاجتماعية والحضارية.
فهل بعد أكثر من ربع قرن على إصدار هذا الكتاب اتضح بشكل جلي أن مشكلة التعليم ترجع إلى الاستغرب كما تنبأ بذلك عالم الاجتماع عبد الله الشارف؟
وهل ما اقترحه من نموذج قيام المؤسسات التعليمية بإشراف أساتذة وعلماء من دون تدخل الدولة تراه حلا جذريا لمشكلة التعليم؟
الهامش
1- أثر الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب؛ ص:57.
2-أثر الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب؛ ص:56.
3-أثر الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب؛ ص:53.
4-أثر الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب؛ ص:55.
5-أثر الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب؛ انظر من الصفحة: 63 إلى الصفحة 101.
6-أثر الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب؛ ص: 107.
7-أثر الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب؛ ص:107.
8-أثر الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب؛ ص:32.
9- أثر الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب؛ ص:32.
- Facebook Comments
- تعليقات






