صدق العثماني حين قال إن الوضع في المغرب أفضل من فرنسا! فرنسا لا تتوفر على فندق المامونية، ولا على رياضات، ولا على كسكس لذيذ، وشمسها باردة، ولا تحفز دوفيلبان على كتابة الشعر

عن كود // حميد زيد

لا أقول إن رئيس الحكومة كذاب وملفق.

حاشا.

ولا أشك في أن دومنيك دوفيلبان قال للعثماني إن الوضع في المغرب أفضل حالا من فرنسا.

لا.

لا.

لكني متأكد أن دوفيلبان كان يعني شيئا آخر.

ولم يفهمه رئيس حكومتنا.

ويعرف الجميع أن دوفيلبان يعاني منذ مدة طويلة في بلاده.

وقد عانى من ساركوزي.

وعانى من فشله السياسي. ومن شعب يريد إنجازات اقتصادية. ونموا. ولا يرغب في الشعر.

ولا يرغب في خطابة دوفيلبان.

وأي بلاد بالنسبة إليه اليوم هي أفضل من فرنسا.

لكنها مشكلة شخصية. وتتعلق به. وبما يشعر به. وتعبر عن ذاته المجروحة.

وتخصه وحده. ومضحك أن يرددها العثماني كما لو أنها حقيقة.

وربما ألهم المغرب دوفيلبان.

وربما كتب قصائد كثيرة أثناء زيارته لنا. بعد أن كان يعاني من حبسة في فرنسا.

وربما قدموا له الكسكس.

وربما تذوق اللحم بالبرقوق. وربما شرب كأسا. ومباشرة بعد ذلك التقاه العثماني.

والشعراء. كما هو هو معروف. لا يعتد بكلامهم.

وفي كل واد يهيمون. ويقولون ما لا يفعلون.

وفي لحظة تجل. وفي نشوة. ومع أول ضربة شمس مغربية. بدا له المغرب أفضل من فرنسا.

ورأى تطورا.

ورأى شبابا مبحرا. ومغامرا بحياته. متذكرا رامبو.

ورأى الإنسان على طبيعته.

ورأى فوضى. والشعراء يحبون الفوضى عادة.

ورأى بهارات. وعطس. وصدر عنه بسبب تلك العطسة أن المغرب أفضل من فرنسا.

ورأى فقرا. والفقر ملهم.

ورأى تخلفا. والتخلف محفز للكتابة. في وقت يعاني فيه الفرنسيون من أزمة غياب الموضوع.

ورأى مواضيع كثيرة توحي بالإبداع. وغير متوفرة للشعراء اليوم في بلاده.

بينما اختلط الأمر على العثماني.

ولأنه طيب. فقد صدق شاعرا. كان متورطا في السياسة.

وقد تحدث رئيس حكومتنا عن القلق.

وقال إن لكل دولة قلقها الخاص بها. وكما لفرنسا قلقها. فلنا نحن أيضا قلقنا.

وأعجبه اعتراف دوفيلبان.

ولم يفوت الفرصة كي يستشهد به.

ويخبرنا أن المغرب أفضل حالا من فرنسا بشهادة مسؤول سياسي كبير سابق.

بينما قلق دوفيلبان وجودي.

وشعري.

ويعاني من عقدة اسمها ساركوزي. وهو الذي طفشه. وجعله يبحث عن عوالم أخرى.

ولذلك لم يتعامل معه الفرنسيون يوما على محمل الجد.

وأفضل ما يمكنه أن يقوم به هو خطاب مؤثر في الأمم المتحدة. أو مرور ناجح في برنامج تلفزيوني. حيث يتفاجأ الفرنسيون من فرنسي يتكلم لغتهم بفصاحة.

ويتحدث عن الإنسانية. وعن القيم. وعن الثقافة. كأي دوغولي محترم.

كما أن نجوم فرنسا وكبار سياسييها. يظنون أن المغرب هو فندق المامونية.

وأننا نعيش مفس البذخ في كل مكان.

ونعيش ألف ليلة وليلة.

ويعتقد الفرنسيون أن المغرب كله رياضات بسقف عال. وجمال أخاذ.  وزليج. ونافورات في باحة الرياض.

ويعجبهم لأنه غير مكلف ماديا

فيتقاعدون فيه

ويتشمسون

ولطيبة العثماني

فقد أسعده ما قاله له دوفيلبان

وسحره بكلامه

كما يفعل الشعراء

ودون أن يقصد. جعل منه أضحوكة في كل المغرب.  وموضوعا للتندر بين فقرائه وأغنيائه.

و في الحكومة. وفي الدولة. والأغلبية. والمعارضة. وفي الفيسبوك.

وإنصافا للعثماني

فإن عددا كبيرا من المتقاعدين والشيوخ الفرنسيين يرون المغرب أفضل من فرنسا لينهوا فيه ما تبقى لهم من عمر.

بينما يحلم شبابنا بالهجرة إلى فرنسا ليبحثوا عن مستقبل أفضل. وليولدوا هناك ولادة ثانية.

ولذلك فالمسألة نسبية

خاصة إذا تناولناها من جانبها الشعري.

وحلقنا بعيدا  في الخيال.

وفضلنا الشمس الحارة على التقدم. وعلى الحرية. وعلى دولة الرعاية. والحقوق.

Loading...