تحرير : أ. ح.
رقم قد يكون مر مرور الكرام هذه الأيام حين كشف وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي والناطق باسم الحكومة سعيد أمزازي، أن عدد التلاميذ الذين تحولوا من التعليم الخصوصي إلى التعليم العمومي بلغ أكثر من 140 ألف تلميذ وتلميذة، فيما أغلقت 68 مؤسسة خصوصية تعليمية أبوابها ايذانا بإفلاسها.
هذا العدد لايمكن فصله عن تداعيات كورونا، التي اقتربت من إنهاء عام عن ظهور أولى الحالات بمدينة ووهان الصينية في شهر دجنبر من السنة الماضية. ما حدث في هذا التحول، يمكن تصنيفه في باب هجرة من نوع آخر. والمتمعن لهذه الوضعية يدرك لأول وهلة أن تداعيات كورونا كانت حاضرة، وأرخت بظلالها على التعليم الخصوصي، حيث كانت سببا مباشرا في تحويل مئات الأسر لأولادها من التعليم الخصوصي إلى التعليم العمومي، في وقت لم يتجاوز عدد “المهاجرين” من التعليم الخصوصي إلى التعليم العمومي في الموسم الماضي 56 ألف تلميذ، لكن بداية هذا الموسم سجلت رقما كبيرا من الذين فضلوا مغادرة قاعة المدارس الخاصة نحو المدارس العمومية، وهو ما ينبغي التعمق في دلالاته.
المغرب وكباقي الدول تضرر بجائحة كوفيد 19، التي ضربت الاقتصاد الوطني، مخلفة آثارا سلبية عديدة ومتنوعة مست مجموعة من القطاعات الخاصة بعد أن تقلصت فرص التشغيل مما جعل البعض يجد نفسه أمام ضائقة مالية كبيرة، على الرغم من أن الدولة عملت على التخفيف من هذه المعاناة عن طريق تقديم مساعدات مالية لثلاثة أشهر.
أمام هذه الأجواء الاقتصادية الصعبة لايمكن نسيان دخول عدد من أولياء التلاميذ في مشاكل مع المسؤولين بالمدارس الخصوصية، لاسيما وأن مردود بعض المدارس الخصوصية كان جد محدود ولم يرتق إلى المستوى المطلوب، وهذا ما مس أيضا التعليم العمومي، الذي تفاوت أداؤه من مدرسة إلى أخرى، ولنا أن نتذكر كيف أن الوزارة حين برمجت امتحانات الباكلوريا للسنة الأولى أو الثانية، عملت على أن يكون الامتحان في المواد، التي حضرها التلاميذ مما يعني أن الدروس التي كانت عن بعد لم تحظ بالرضا من طرف المستفيدين من هذا النوع من الدراسة.
حقيقة اختيار التعليم الخصوصي يبقى من رغبة الأسر ما دامت الدولة توفر المقاعد الدراسية لمن هم في سن الدراسة. إن التعليم الخصوصي هو الآخر له دور مهم، فهو يساهم إلى جانب التعليم العمومي في محاربة الجهل، وصولا إلى مجتمع تسوده المعرفة، التي هي أساس التنمية وتسلق الدرجات العليا مع الأمم المتقدمة، لكن ما يبقى غير مفهوم، هو أن جل المدارس الخصوصية لم تتعامل بنظرة عميقة مع ما خلفته جائحة كورونا من صعوبات مادية، وإن كان البعض منها عمل على التخفيض من رسومه لثلاثة أشهر إبان الحجر الصحي …
تحول هذا العدد من التلاميذ نحو التعليم الخصوصي ربما ما كان ليصل إلى هذا العدد لو تفهمت بعض المدارس الخصوصية الوضعية، التي تجتازها الأسر بفعل ما عانته وما تعانيه مع مخلفات وباء كورونا، الذي لن تتوقف سلبياته إلا مع عملية التلقيح، الذي سيستفيد منها المغرب في قادم الأسابيع، مع الإشارة إلى أن تعافي الاقتصاد يتطلب زمن لتدارك ما حدث.
لقد كان على أصحاب المقاولات بالتعليم الخصوصي أن يتفهموا هذه الظرفية الصعبة، وأن يخفضوا من رسوم واجبات الدراسة حفاظا على استمرار اشتغال مؤسساتهم والتعامل بشكل أفضل سواء مع أولياء التلاميذ أو مع المشتغلين معهم حتى نتجنب هذا الرقم، الذي يبقى كبيرا، فلنا أن نتصور أن إغلاق 68 مؤسسة تعليمية سيرمي بعدد مهم من العاملين إلى البطالة، الذين سينضافون إلى قائمة العاطلين عن العمل.
باختصار، هناك تفاوت كبير بين رسوم الدراسة في المؤسسات الخاصة، وهو ما يفرض إعادة النظر فيه، ففي آخر المطاف لا بد من ربط هذه الرسومات بالمستوى المعيشي بالبلد، وعدم التغريد خارج السرب، وهنا لا بد من التذكير أن بعض الأسر ينضاف إليها ثقل واجبات الساعات الإضافية، وهذا موضوع آخر، ويحتاج إلى تحليل آخر…