في أفق ترسيم الطابع الثقافي لمدينة تطوان

أنس الحسيسن 

إطلاق صفة المدينة الثقافية على مدينة تطوان، ما فتئ يطرح في عدة مناسبات، ما دامت أن المدينة إمكاناتها في مجالات من قبيل الصناعة والتجارة والسياحة تبقى محدودة.

تشجيع الثقافة يظهر من خلال تنظيم لقاءات كبرى بالمدينة، ولعل من أبرز ذلك ما دأبت عليه المدينة، وهي تحتضن المهرجان السينمائي للبحر الأبيض المتوسط، الذي دخل دورته التاسعة والعشرون، التي ستمتد من 27 أبريل إلى 4 ماي. مناسبة استقبال المدينة لهذا النوع الثقافي دفع المنظمين إلى تنظيم ندوة صحافية لتسليط الضوء على المهرجان، وإن كان ضوء الندوة لم يكن مضيئا بما فيه الكفاية في ظل عدم تسلم رجال الصحافة ملفا، أو ورقة عن هذه النسخة، حيث كان للمنظمين نظرة أخرى تمثلت في أننا نعيش الزمن الرقمي، الذي أصبح يتجاوز الورقي، وطبعا هذا موضوع قابل للمناقشة، ولا يمكن بحال من الأخوال إلغاء الورقي. ميلاد هذا المهرجان يعود إلى جمعية أصدقاء السينما منذ 38 سنة ليتحول الآن إلى مهرجان أضحى أكثر من المعرف في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بالرغم من أن ميزانيته المالية لا تتعدى 450 مليون سنتم، وأغلب مدعميه من مؤسسات منتخبة، هي الأخرى تعمل جاهدة في أن تحافظ تطوان على هذا المهرجان.

من القضايا، التي كشف عنها في هذه اللقاء الإعلامي، أن مطار سانية الرمل سيستقبل 20 في المائة من المشاركين في المهرجان، وهي خطوة من شأنها تعزيز البعد الثقافي والإشعاعي لمدينة تطوان، الذي سينعكس ايجابا على قطاعات أخرى.

ارتباط المهرجان السينمائي لتطوان بأحمد حسني، ليس بخفي عن متتبعي الشأن الفني بتطوان، فالمدة التي قضاها الرجل في الإشراف على تنظيم هذا المهرجان جعله يقول إنه تعب من تحمل المسؤولية، وأنه أصبح يفكر في الابتعاد عن ثقلها، غير أن من العوائق التي تحول دون ذلك عدم ايجاد ربان جديد يقود المهرجان… وقد ذكرني هذا الكلام في استمرار لجنة تصريف الأعمال للمغرب التطواني لكرة القدم في البحث عن رئيس يترأس الفريق غير أنه بعد انقضاء ما يقارب السنة لا شيء حدث مما يعني أننا أمام أزمة إفراز النخب، وهذا موضوع آخر لا يربتط بهذين المجالين فحسب، وإنما بمجالات أخرى.

قد يختلف المتتبعون في تقييم تطور هذا المهرجان ، خاصة وأن المدة، التي أمضاها ليست بالقصيرة، غير أنه يحسب له أن يشكل علامة و دعامة أساسية في ترسيم الطابع الثقافي للمدينة، التي إلى جانب احتضانها لهذا الحدث السنوي، فهي تعرف تنظيم عيد الكتاب، الذي يبقى الحفاظ عليه هو الأهم، فوزنه الإشعاعي ما زال متوسطا، وقد لا نستغرب من ذلك، ما دام أن اليوم العالمي للكتاب، الذي يصادف 23 أبريل من كل سنة، مر هو الآخر في صمت شديد في حين تحظى بعض المناسبات الثقافية أو الاجتماعية بحديث مستفيض ومتنوع …

إن تطوان بإمكانها أن تسهم في تحريك القطاع الثقافي ليس محليا فحسب، وإنما جهويا، وهي التي تحتضن مؤسسة جامعة عبد المالك السعدي، التي من خلال مؤسساتها الجامعية تعد القلب النابض لتطوير البحث العلمي، الذي هو آلية من آليات بناء ثقافة مجتمعية، خاصة وأنها تضم خيرة الأطر من أساتذة باحثين باستطاعتهم الرفع من المستوى المعرفي والثقافي ببلادنا من خلال الأعمال، التي ينجزونها، التي لا تقتصر في الإشراف على أطاريح الدكتوراه، فهذا شيء عادي ، وقد لا تضيف مثل هذه الأعمال أية إضافة نوعية للبحث العلمي في ضوء ما يظهر من سرقات علمية، تعرفها بعض أطاريح نيل شهادة الدكتواره، ذلك أن الأهم من يناط بهم تقوية شبكة البحث العلمي إصدار مؤلفات ومقالات في مجلات علمية محكمة…

وقد يصعب علينا تقييم إنتاج الجامعة في ظل عدم التوفر على معطيات دقيقة في هذا المجال، غير أن البحث في ساحة التأليف ومدى دعم الجامعة للكتابة من لدن المؤلفين كفيل بمعرفة نسبة مساهمة جامعة عبد المالك السعدي في إغناء الإصدارت العلمية ، فهي التي يعول عليها أن يكون لها نصيب في جر قاطرة التنمية الثقافية بمدينة تطوان. كما أن طريق توسيع أرضية ثقافية صلبة لا يكمن في تنظيم عدد المهرجانات، أو الندوات، أو التظاهرات الثقافية في حقولها المختلفة، وإنما في جودة وقيمة ما يعرض على المتلقي لتوسيع مساحة الاستقطاب الثقافي،وهذا من شأنه الرفع من المؤشر الثقافي للمجتمع.

 

 

 

 

 

Loading...