كارل ماركس .. سينمائياً

محمد كريم إبراهيم

“البرجوازي يحب التكلم عن الحرية، لكن هذه الحرية له، وليست لك، أنت تشعر بها في لحمك كل يوم ” يقول هذا كارل ماركس في فيلمٍ مثير يصور حياته الثورية يافعا – بدءاً من عام 1842 عندما كان صحفياً، حتى عام 1848 حين كتب ونشر (البيان الشيوعي).

الفيلم ليس عن حياة الشاب ماركس فقط، بل يحاول المخرج أن يرصد الأسباب التي أدت إلى ظهور فكرة الشيوعية، عقب الفترة الذهبية للثورة الصناعية. فنرى فيه سوء معاملة العمال والنساء واستغلالهم آنذاك، ونشاهد الفارق في حياة الطبقات الغنية والفقيرة حينها, كما نلاحظ الصراع من أجل حرية التعبير ضد الطبقات الحاكمة، أبان سلطة الملكية المطلقة في أوروبا.

بعد إسكات صوته في بروسيا (المانيا القديمة)، ينتقل كارل ماركس إلى باريس للعمل في صحافة جديدة، ويلتقي في تلك الفترة فريدريك إنغلز الأرستقراطي الغني، الذي سيتحول إلى صديق دائم وداعم فكرياً ومادياً لماركس طوال حياته، وسيصبح مؤلفاً مشاركاً في العديد من كتاباته ومقالاته.

يلتقط الفيلم لحظة إلتقائهما في منزل ارنولد روج (الذي اوجد صحيفة أنالس الألمانية – الفرنسية، التي كان ماركس كاتباُ فيها) وإعجابهما الشديد بكتابات بعضهما.

يجسد الفيلم جزءاً من حياة إنغلز ومنازعاته مع والده الثري، وحبه لأمراة إيرلندية من الطبقة العاملة.
ومن أهم المميزات المذهلة لشخصية ماركس التي يمكننا رؤيتها في الفيلم، تمرده الدائم وإنتقاده ومقاتلته لليمينيين واليساريين على حد سواء.

نرى مقاتلته لبرودون، الشخص الأناركي (الفوضوي) اليساري الذي صادقه ماركس بعض الوقت في باريس. ونرى أيضاً محاربته لويلهام ويتلينغ الناشط السياسي اليساري الذي كان معه في رابطة العدالة، كذلك مخاصمته لمجموعة من أعضاء الرابطة الآخرين.

لم ينس راؤول بيك إظهار دور المرأة ايضاً في حياة ماركس وصديقه إنغلز.

يؤكد الفيلم على التضحيات التي قدمتها جيني زوجة ماركس عندما تزوجت منه، فهي من عائلة أرستقراطية ثرية ومعروفة، وقد تزوجها ماركس بعد تخليها عن تلك الحياة ودخولها معه حياة بائسة وفقيرة ومعرضة للخطر طوال الوقت. ونظرا لسوء خط يد ماركس في الكتابة، كانت جيني تكتب بالنيابة عنه. كذلك نرى بروز دور ماري بورنز رفيقة إنغلز التي ناضلت معه من أجل التخلص من الظروف السيئة للعمال في المعامل، وساهمت في إرشاد إنغلز وتعريفه على المحلات الفقيرة في مانشستر، عندما كان يكتب بحثاً عن الظروف المعيشية للطبقة العاملة في انكلترا.

النصف الأول من الفيلم يقدم حياة ماركس وانغلز، اما النصف الثاني فيتناول رابطة العدالة السرية التي أنضم إليها كل من ماركس وانغلز ثم ساهما في تنظيمها وتحويلها إلى حزب سياسي علني. تلى ذلك إطلاق تسمية الرابطة الشيوعية عليها.

اما المشهد الأخير فيجسد (البيان الشيوعي)، الذي ما زال يُترجم ويُطبع ويُقرأ حتى هذا اليوم.

أنه فيلم تاريخي حقيقي، يستحق المشاهدة لما فيه من عبر ملهمة،ولما فيه من أحداث مؤلمة، وقضايا ملحة.

Loading...