يوسف خليل السباعي
في هذه اللوحة التشكيلية للفنان محمد بوزباع ثمة غرابة لايلاحظها المتأمل منذ الوهلة الأول، فمن جهة نرى اليد المفتوحة المبسطوطة أفقيا، اليد ذات الخطوط المتعرجة، أو ذات التعرجات، والطائر الذي لايطير، والذي يقف على اليد المفتوحة المبسوطة عموديا، بمعنى أن ثمة في اللوحة غرابة، فاليد في الأسفل، والطائر في الأعلى، لاشيء واضح حتى اللحظة. بيد أن الطائر يفتح منقاره كما هي اليد مفتوحة، والفتح في تصوري دلالة على أن ثمة حركة ما، وهذه الحركة هي من عمل اليد، كما أن الطائر لايستقر على حال، حتى وإن عاد إلى عشه، فهو سرعان مايغادره، فمكانه ليس العش، وإنما السماء، والتحليق في السماء، ولكننا الآن نحن أمام لوحة خارقة للعادة، لوحة تشكيلية لاتقول لنا شيئا سوى أن هذه يد، وهذا طائر!… وماذا لو كانت هذه اليد التي تمنح ببسطها بطلاقة الطائر حريته التي هي من طبيعته، بلاجسد، بلاوجه، أو لنقل، بشكل أفضل بلارأس (نعرف أن اليد بشرية)، ولابد أن يكون لها جسد برأس، لكننا أمام يد فقط، وعندما لايكون ثمة رأس وإنما يد فقط التي هي جزء من الجسد، يغيب الكلام، فنحن لانتكلم باليد، وإنما باللسان، وحين لاتكون إلا اليد هي الماثلة في اللوحة، فإن الأمر يعني أن هذه اليد شقية وبريئة، لاتقبض على الطائر، ولاتسحره، وإنما تمنحه حريته التي هي، في الأصل، من طبيعته. هل يمكننا القول إن هذه اللوحة، التي رسمها الفنان التشكيلي محمد بوزباع هي لوحة عن الحرية تلك الثيمة التي تغنى بها الشعراء والأدباء والفنانون وناضل من أجلها آخرون، وغيرهم؟!، وهل هذه هي مقصدية بوزباع من رسم هذه اللوحة؟!… ماذا يخفي عنا بوزباع في هذه اللوحة الغريبة؟!… قبل الجواب عن هذه الأسئلة لنعد إلى الطائر، فهذا الطائر يفتح منقاره كمالو أنه يتكلم، وبالتالي، نرى رأسه، وهو ينظر بعينه إلى الأفق، إنه يغوينا، ويسحرنا، فهو لاينظر إلى الأفق فحسب، أو إلى اليد التي تمنحه الحرية ليطير، إلا أنه واقف عليها، ويصدر صوتا، إنه نقيض اليد، ولكنه ينظر إلينا نحن أيضا بعين واحدة. إن بوزباع ليست مقصديته في هذه اللوحة أن يؤنسنا بثيمة الحرية، ويظهر لنا اليد التي تحرر طائرا رمادي اللون بنقط سوداء وتحيط به ألوان ممتزجة مرئية في اللوحة لاتحتاج إلى وصف، ومن تحت اليد لوينات متموجة حيث يمتزج الرمادي والأسود، كدلالة على الحزن والالتباس، وإنما يكلمنا عن شقاء اليد التي تعمل، وتكدح، بإنهاك، يد تطمح أن تتحرر، وتنفلت من كل قيد، أو ” قانون”. إنها ليست إلا يد الفنان.
أليس كل الشقاء يأتي من اليد: يد العمال، هذه يد تكدح، ولكن هناك يد أخرى هي يد الوزير، هي يد سعيدة، لاتعرف معنى الشقاء، إنها يد توقع، وتأمر…
وهناك يد هي يد الكاتب والفنان، يد تفكر وتتخيل، وتصنف وترسم.
إن يد اللوحة المفتوحة والمبسوطة التي ترج القلب والإحساس، وتسافر بك في عوالم ساحرة، يد تحب، ولكنها شقية ولينة في آن: هذه اليد تترك أثرها في القلب للتو، وتجعلك محبورا، فرحا، وهي أيضا تجعلك دائم التفكير فيها.