هامش لابد منه

عبد الجليل الوزاني التهامي

كنت دائما ومنذ سنوات خلت أتجنب الكتابة في الحقل الذي أنتمي إليه، حقل التربية والتعليم، إذ حاولت مرارا وبإصرار وقناعة تامة أن أتجنب أثناء الكتابة في أعمالي الروائية الغوص أو الحديث عن قضايا ترتبط بمهنتي بالرغم من تسرب بعض الفلتات هنا وهناك في أعمالي السابقة، أو وجود شخصيات روائية باعتبار رجال ونساء التعليم يشكلون الشريحة الأوسع في المجتمع، لكن أن أفرد عملا روائيا يرصد قضايا التعليم، أستلهم فيه موضوعات من تجربتي الشخصية في هذا المجال، والتي أكملت بالمناسبة عقدها الثالث، فإن هذا الأمر ظل محرما علي، أتهيب الخوض فيه أو ملامسته ولو من بعيد، بل كنت أستهجن الأعمال الإبداعية التي تتكئ اتكاء كاملا على التجربة المهنية الذاتية لاقتناعي أن هذا لن يخلو من التقريرية وسرد الأخبار والوقائع وعرض المواقف الذاتية، علما أن ما مر معي من تجارب لا تحمل إضافة بالمقارنة مع ما مر به جل المنتمين إلى هذا الحقل، خاصة أولئك الذي أمضوا سنوات طويلة في مناطق جد صعبة قاسية مثقلة بالمعاناة، أو خبروا دهاليز الإدارة التربوية بالمؤسسات أو غيرها، ثم أية متعة سأجدها ككاتب إن حملت همومي المهنية اليومية ونقلتها الى محرابي الإبداعي، وأنا المنهك الدائم بأعباء المهنة على اختلاف المهمات التي زاولتها طيلة هذه المدة بين التدريس والإدارية التربوية والإقليمية؟؟

الكتابة بالنسبة إلي وسيلة لإعادة التوازن النفسي والروحي ومحاولة طرد الشوائب ومنغصات الحياة اليومية، وعلى رأسها مخلفات المهنة التي أزاولها، لذلك أحاول قدر المستطاع أن أكون إنسانا آخر وأنا أكتب. وعلى العكس من ذلك، وبالقدر نفسه، أنزع قبعة الكاتب عندما أكون بمقر عملي، بالرغم من صعوبة الفصل بين القبعتين.

بيد أن العائق الأكبر في نقل تجربتي التربوية والتعليمية إلى حقل الإبداع هو ما يمكن أن أكتبه أو أقاربه، سواء تعلق الأمر بالحديث عن أشخاص ـ ولو بالترميز ـ شاءت الظروف أن أعمل إلى جانبهم كزملاء وغيرهم ممن احتكت بهم بحكم وظيفتي، أو عن المواقف والقضايا التي اطلعت عليها عن قرب باعتبار شاهد عيان، فالموضوعية والأمانة تلزمني بأن أكون صادقا في ما أكتبه ملتزما بالكشف عن الحقائق التي أعرفها مبتعدا قدر الإمكان عن المجاملة أو التواطؤ أو التزييف أو التجميل، وهذه الأمور لا بد أن تكون لها ردود أفعال قوية رافضة أو محتجة أو معاتبة، ولربما أغضبت أشخاصا وأثار حفيظة آخرين ـ أفقيا أو عموديا.. أقول هذا لاقتناعي أن الكثيرين ممن أحتك بهم في عملي يحتاطون في تعاملهم معي، يبدون الكثير من التوجس والحذر خوفا من أن يتسربوا إلى عمل من أعمالي. بل هناك من صرح لي بذلك وبنوع من التحذير المغلف بالرجاء:

ـ عنداك تكتب علي!!

ولكل مهنة أخلاقياتها، وعلى رأسها مبدأ حفظ الأسرار المتعلقة بالحقوق العامة والخاصة، لذلك من البديهي أن أضع قيودا تمنعني من إماطة اللثام عن كل ما من شأنه أن يخل بهذا المبدأ.

وبما أن الكتابة أمانة ومسؤولية سواء في بعدها التخييلي أو الحقيقي الواقعي، فإما أن نقول ما يجب قوله أو نصمت.

Loading...