“الحريات الفردية: بين مؤيد باسم الحداثة ومعارض باسم الدين”

بقلم : حنان الخميسي

الحريات الفردية كما هو معروف، هي موضوع شائك مطروح للنقاش على المستوى العمومي خلال السنوات الاخيرة، والتي على إثرها أثيرت مجموعة من القضايا منها قضية اعتقال الصحافية المغربية والباحث السوداني إثر ممارستهم الجنس في علاقة غير شرعية التي انتهت بعفو ملكي وإطلاق حملة خارجة عن القانون.

إن ما يثير الجدال في الشارع العام هو أن المغرب كدولة إسلامية لا يستطيع تقبل أو الدفاع عن حاملي هذا الفكر لتعارضه مع تشريعات و قيم الدين الإسلامي، مما يجعلها بين نارين لا هي اعترفت وأيدت ولا هي عارضت و منعت! ومنه فإن الخلاف الدائر حاليا حول هذا الموضوع ليس إلا خلاف في طريقة تناوله ومرجعية مناقشته بين معتمدي المرجعية الإسلامية ومعتمدي العلمانية .

إن معارضي الفكرة يعتبرون أن أغلب المطالبين بالحريات الفردية هم في الأصل ليسوا إلا آلات لشهواتهم الحيوانية ونزواتهم المشينة، فهم لا ينظرون إلى مثل هاته الأمور إلا من منظور بهيمي حيواني. فكيف إذن لهولاء الاشخاص أن يرتقوا للانسانية ؟

فهم يظنون أن بمقدور هؤلاء أن يبدعوا ويستغلوا أفكارهم بتوجيهها نحو الصالح العام كتطوير الوسائل التقنية والصناعية مثلا ! أو إعطاء بدائل لإنشاء مقاولات تحتوي على كفاءات شابة قادرة على العطاء. لكن ما يدعو للصدمة بالنسبة لهم أنهم في الحقيقة كرسوا مجهوداتهم لمحاربة قيم المجتمع والعمل على دثرها وشغل عقول المسلمين والمسلمات بثقافة الإستهلاك لا الإنتاج والتقليد الأعمى لا الإبتكار. فهكذا كان موقف المحافظين صارما ورافضا.

لا أحد ينكر حرية المعتقد والمساواة بين الرجل والمرأة (ليس فيما يتعلق بالميراث) حقوق لا نقاش فيها. لكن فيما يتعلق بالمثلية الجنسية والإجهاض أي قتل روح بريئة لا ذنب لها سوى أنها ضحية لأفعال أهل الدنيا فهنا يجب علينا طرح سؤال ذو علامة استفهام كبيرة “هل حقا الصراع الحالي الكائن بين فصيل يؤيد و فصيل يعارض يستحق كل هذه الضجة؟”.

من منظور التيار المحافظ أن مجتمعنا الحالي اختار التركيز على موضوع الحريات الفردية غافلا عن أهمية تلقين القيم والأخلاق الحسنة والتربية الدينية الصحيحة قبل إعطاء الفرد منا حرية الإختيار . ولهذا آستنكروا استعمال الحريات الفردية كأداة لتحويل الإنسان لحيوان جنسي جاهل للقيم الدينية والمجتمعية واعتبروه أمرا لا يمكن السماح به ليس فقط في المجتمعات الإسلامية بل في أي مجتمع كيفما كان معتقده أو قيمه.

في الحقيقة الحريات الفردية ليست بهذا السوء كما يصورها البعض بل هي أرقى من ذلك. ففي نظر البعض الآخر مثلا خروج الفتاة بعد منتصف الليل لإحساسها بعدم الإرتياح يعد حق طبيعي وحرية فردية على حد سواء لكن مع الاسف هذا الحق لا يمكن ممارسته إلا من طرف الجنس الذكوري أوليس هذا من غير العادل ؟ الطلااق أو المرأة المطلقة التي قررت ان تعيش حياتها وتستمتع بما تبقى منها رامية الماضي وراء ظهرها ينظر إليها المجتمع وكأنها عاهرة خرجت من بار ما وليس من بيت زوجية ربما لم تستطع فيه التغلب على مشاكلها مع هذا الزوج وقررت التحرر من قيود المجتمع الذي لا يرحم، أوليست تلك حرية فردية ولا يحق لأحد ان يطلق عليها احكام ظالمة لا اساس لها؟. الفتاة المستقلة التي تتاخر في بعض الأحيان ليلا توبخ وتضرب كذلك من طرف العائلة ليس لشيء بل خوفا من كلام الناس ووشوشاتهم التي لا تنتهي. أوليسوا تماما كآكلي لحوم البشر ؟. آختيار حياة العزوبية والإمتناع عن الزواج هوحق فردي كذلك لا يعني أحد سوى متخذه لما تعتبره العائلة إذا قرارا مدمرا لسمعتها ؟ أوليس هذا تفكير عقيم؟

الحريات الفردية لا يقصد بها دائما الجانب السلبي أو الجانب الغريزي كما هو متعارف عليه بل يقصد بها في نظر البعض أنها تلك الحريات التي تخلق مع الانسان و تفرضها الحاجة لكن تمنعها الظروف ونظرة المجتمع .

نحن البشر ولدنا أحرارا و سنظل أحرارا. فأي مجتمع هذا الذي يملك الحق في تقييدنا.

Loading...