اليوم العالمي لمكافحة تشغيل الأطفال.. ثلاثة أسئلة لوزير الشغل والإدماج المهني، محمد أمكراز

أجرت الحوار : هناء ضاكة.

بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة تشغيل الأطفال، خص وزير الشغل والإدماج المهني، محمد أمكراز، وكالة المغرب العربي للأنباء، بحوار سلط فيه الضوء على أهم الإجراءات التي اعتمدها المغرب لمحاربة ظاهرة تشغيل الأطفال، وعلى أهم المرتكزات السياسية والعملية التي تعتمدها الحكومة لمكافحة هذه الظاهرة وإعطائها المكانة التي تستحقها في السياسات والبرامج العمومية.

1 – ما هي أهم المرتكزات السياسية والعملية التي تعتمدها الحكومة لمكافحة ظاهرة تشغيل الأطفال وإعطائها المكانة التي تستحقها في السياسات والبرامج العمومية؟

تعمل وزارة الشغل والإدماج المهني في إطار الصلاحيات المخولة لها على المساهمة الفاعلة في الحد من ظاهرة تشغيل الأطفال، وذلك عبر التشريع الوطني من خلال تحيين وملاءمة الترسانة القانونية مع معايير العمل الدولية ذات الصلة، ويتجلى ذلك في المقتضيات والأحكام الحمائية التي يتضمنها القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل أو تلك المنصوص عليها في القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين.

وفي نفس الإطار، تقوم الوزارة عبر الآليات التي تتوفر عليها بالسهر على حسن تطبيق تشريع الشغل بما في ذلك الحد من تشغيل الأطفال دون السن القانوني أو تحسين ظروف عمل الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 16 و18 سنة عن طريق سحبهم من الأشغال التي تعرض صحتهم وسلامتهم للخطر.

وعلى العموم، فإن دور هذه الوزارة يعتبر محوريا في مجال القضاء على تشغيل الأطفال، على اعتبار أن هذه الظاهرة تشكل انشغالا حقيقيا تتقاسمه الحكومة وشركاؤها الاقتصاديون والاجتماعيون وباقي فعاليات المجتمع المدني، حيث تبذل مجهودات بناء على استراتيجية قطاعية من أربعة محاور أساسية تتمثل في تقوية الإطار القانوني؛ وتعزيز تدخل جهاز تفتيش الشغل عبر تعيين نقاط الارتكاز المكلفة بملف محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال على الصعيد الاقليمي والجهوي؛ ودعم مشاريع الجمعيات العاملة في مجال محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال ؛ وتعزيز التعاون الدولي في المجال.

وفي نفس المنحى، عملت الحكومة، في إطار النهوض بأوضاع الطفولة، في إطار التزاماتها الدولية المترتبة عن مصادقتها على الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل سنة 1993، واتفاقيتي العمل الدوليتين رقم 138 بشأن السن الأدنى للاستخدام ورقم 182 حول القضاء على أسوء أشكال تشغيل الأطفال على التوالي سنتي 2000 و2001، على تنفيذ البرنامج الوطني لحماية الطفولة “مغرب جدير بأطفاله” في الفترة من 2005 إلى 2015، وعلى وضع برنامج وطني تنفيذي للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة للفترة 2016 -2020.

هذه السياسة التي تم اعتمادها بتاريخ 3 يونيو 2015، تستهدف جميع الأطفال أقل من 18 سنة، وترتكز على مجموعة من الأهداف الإستراتيجية من بينها إحداث أجهزة ترابية مندمجة لحماية الطفولة، ومنظومات للمعلومات ذات مصداقية وموحدة للتتبع والتقييم الفعلي والمنتظم.

وبناء على ما سبق، لا بد من التأكيد على أن هذه المجهودات قد كان لها انعكاس إيجابي في مواجهة ظاهرة تشغيل الأطفال بالمغرب، وهو الشيء الذي تؤكده المعطيات الإحصائية التي يوفرها سنويا البحث الوطني حول التشغيل والتي تفيد بأن هذه الظاهرة عرفت منذ 1999 تراجعا ملحوظا في العدد الإجمالي للأطفال في وضعية الشغل الذي بلغ ما يقارب 517 ألف طفل أقل من 15 سنة أي ما يعادل نسبة 92 في المائة مقارنة بسنة 2018 التي أحصت 41 ألف و200 طفل في العمل من نفس الفئة العمرية، 37 ألفا منهم متواجدون بالعالم القروي و 4 آلاف و168 منهم بالوسط الحضري.

وتظل ظاهرة تشغيل الأطفال متمركزة في العالم القروي في إطار المساعدة العائلية في الأعمال الفلاحية، أما في الوسط الحضري فالقطاعات الأكثر استقطابا للأطفال هي قطاع الخدمات والصناعة التقليدية.

2 – ما هي الإجراءات التي اعتمدها المغرب لمحاربة تشغيل الأطفال والجهود التي يبذلها للقضاء على الظاهرة ؟

في إطار تنزيل برنامج العمل المتعلق بالسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة للفترة 2016 – 2020، والذي يروم تحقيق خمسة أهداف إستراتيجية تقوم أساسا على تقوية الإطار القانوني والمؤسساتي لحماية حقوق الطفل وتعزيز فعاليته، اتخذت وزارة الشغل والإدماج المهني مجموعة من التدابير والإجراءات، تضمنتها استراتيجيتها القطاعية المتعلقة بمحاربة تشغيل الأطفال نذكر منها على الخصوص ما يلي:

– استكمال المنظومة القانونية ذات الصلة بحماية الطفولة : والمتمثلة أساسا في إصدار القانون رقم 12-19 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين ونصوصه التنظيمية سنة 2017، وكذا المرسوم المحدد لكيفية استفادة هذه الفئة من العمال من خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

وقد تضمن هذا القانون العديد من المقتضيات الحامية لحقوق هذه الفئة من العمال، وذلك بتحديد سن التشغيل في 18 سنة، مع إمكانية السماح بتشغيل أولئك المتراوحة أعمارهم ما بين 16 و18 سنة، خلال فترة انتقالية تمتد لخمس سنوات ابتداء من دخول القانون حيز التنفيذ، شريطة التوفر على ترخيص من أولياء أمورهم، كما منع التشغيل في أعمال خطرة حددت بمقتضى مرسوم تطبيقي، هذا بالإضافة إلى تنصيصه على عقوبات زجرية في حق المشغلين المخالفين والأشخاص الذاتيين الذين يقومون بالوساطة بمقابل، وذلك دون إغفال إمكانية سقوط هؤلاء المخالفين تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في القانون رقم 27.14 المتعلق بالاتجار في البشر متى توفرت شروط الجرائم المنصوص عليها في هذه الأخيرة.

ومن أجل تنزيل القانون رقم 19.12 ومواكبة دخوله حيز التنفيذ بتاريخ 02 أكتوبر 2018، قامت الوزارة بتكثيف التنسيق مع مصالح رئاسة النيابة العامة بهدف ضمان حسن تطبيق أحكامه، وتعزيز آليات التنسيق بين قضاة النيابة العامة وجهاز تفتيش الشغل، لتحقيق نتائج ذات الأثر الإيجابي على حماية حقوق العاملات والعمال المنزليين والحد من ظاهرة تشغيل القاصرات والقاصرين منهم.

– تعزيز الإطار المؤسساتي : تم تعيين 54 نقطة ارتكاز من بين مفتشي الشغل على الصعيد الجهوي والإقليمي مكلفين بملف محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال بهدف تقوية جهاز تفتيش الشغل بمتخصصين، وتجويد منهجية تدخلهم وكذا التركيز خلال زيارات التفتيش على مراقبة احترام تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالسن الأدنى للقبول في العمل وظروف العمل التي تأخذ بعين الاعتبار القدرة الجسمانية والجانب الصحي والنفسي والتربوي للأطفال المتراوحة أعمارهم بين 15 و 18 سنة.

كما تم إطلاق الجهاز الترابي المندمج لحماية الطفولة الذي يتكلف بضمان ديمومة الاستقبال، والاستماع للأطفال، والمواكبة الطبية والنفسية والقانونية والاجتماعية، وتتبع وتقييم خدمات التكفل.

– تفعيل دور المجتمع المدني : إيمانا منها بدور المجتمع المدني في مجال مكافحة تشغيل الأطفال، خصصت الحكومة غلافا ماليا يقدر بثلاثة ملايين درهم في ميزانية وزارة الشغل والإدماج المهني لمحاربة تشغيل الأطفال من أجل دعم مشاريع الجمعيات المتعاقدة مع هذه الأخيرة. هذا مع العلم أن النسخة العاشرة من الدعم المالي لمشاريع هذه الجمعيات، برسم سنة 2019، قد أفضت الى انتقاء إحدى عشر (11) مشروعا من طرف اللجنة بين الوزارية المكلفة بالعملية، من أصل تسع وسبعين (79) مقترح مشروع. أما برسم النسخة الحادية عشر لسنة 2020، فقد تم الإعلان عن تلقي طلبات العروض للفترة ما بين فاتح يونيو 2020 الى غاية 30 منه.

أما برسم حصيلة دعم مشاريع الجمعيات لسنة 2018، فقد تم تسجيل سحب 162 طفلا من العمل أقل من 15 سنة، من بينهم 32 طفلة و 10 أطفال تم انتشالهم من العمل المنزلي؛ و632 طفلا وطفلة من الأشغال الخطيرة تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 سنة، علما أن من بينهم 65 طفلة تم انتشالهن من الأشغال الخطرة بالعمل المنزلي.

– الحضور الدولي للمغرب : لقد عزز المغرب من حضوره الدولي عبر تطوير التعاون الدولي الثنائي أو متعدد الأطراف في مجال مكافحة تشغيل الأطفال، حيث قامت وزارة الشغل والإدماج المهني بإنجاز مجموعة من البرامج منها، مشروع “مسارات واعدة ومستدامة في التربية والتعليم والعمل اللائق” 2013-2017 الذي تم تنفيذه بموجب اتفاقية التفاهم بين وزارة الشغل الأمريكية ووزارة الشغل والإدماج المهني، للحد من ظاهرة تشغيل الأطفال.

وقد استهدف هذا المشروع، الرفع من معدل التمدرس والدعم المدرسي لفائدة 5 آلاف و533 طفلا تتراوح أعمارهم بين 6 و17 سنة، وكذا تقديم فرص تحسين ظروف العيش لفائدة ألف و 16 أسرة المتواجدة في المناطق القروية وشبه الحضرية لجهة مراكش تانسيفت الحوز. هذه الجهة التي يتسم قسم كبير منها بالهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، حيث معدل الانقطاع المدرسي عالي خاصة في المرحلتين الابتدائية والثانوية من التعليم مقارنة مع مناطق أخرى من المغرب.

وعن حصيلة المشروع، فقد تم تسجيل انتشال 823 طفلا وطفلة أقل من 15 سنة من العمل، في حين تم سحب 304 طفل من الفئة العمرية ما بين 15 و18 سنة من الأعمال الخطرة ومواكبتهم وتوفير بدائل لعائلاتهم.

– انضمام المغرب إلى التحالف الدولي لتحقيق الهدف 8.7 من أهداف التنمية المستدامة في أفق 2025، أفضى إلى اختياره إلى جانب خمسة عشر (15) دولة من طرف التحالف الدولي كبلد “رائد” في مجال القضاء على تشغيل الأطفال، وذلك من أجل الوقوف على الطرق والأساليب والبرامج المبتكرة التي ستمكن البلدان الأخرى من الاستفادة من تجاربه وتحقيق أقصى قدر من الفعالية بما يتناسب مع المواعيد الاستعجالية المحددة لإنجاز الهدف المذكور.

وفي السياق ذاته، سيتم تنظيم ورشة وطنية للتخطيط الاستراتيجي بحضور مختلف المتدخلين من قطاعات حكومية ومؤسسات وطنية ودولية وشركاء اجتماعيين وكذا جمعيات المجتمع المدني، وذلك بهدف تحديد إجراءات قابلة للقياس والموارد اللازمة، وكذا إعداد تقارير منتظمة حول المؤشرات الخاصة بأهداف التنمية المستدامة، هذا مع ضرورة تبادل المعلومات والممارسات الفضلى للوقوف على النتائج المحققة.

3 – ما هي القضايا التي لا تزال في حاجة إلى عمل الفاعلين في مجال مكافحة تشغيل الأطفال ؟

رغم هذه الإجراءات والتدابير التي ما فتئت الحكومة من خلال مصالح وزارة الشغل والإدماج المهني، تقوم بها من أجل محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال والتي انتقلت في بلادنا من مرحلة الاكتفاء بانتشال الأطفال أقل من 15 سنة من عالم الشغل ، إلى مرحلة تحسين ظروف عمل الأطفال البالغة أعمارهم ما بين 15 إلى 18 سنة وذلك بتغيير مناصب عملهم أو سحبهم نهائيا من الأعمال الخطرة، وفق ما تمليه التزامات المغرب الدولية المتمثلة في ملاءمة أحكام الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالتشريع الوطني.

غير أنه لا تزال تواجه المغرب إكراهات في مسيرة القضاء النهائي على هذه الظاهرة من قبيل قضية اشتغال الأطفال كمساعدين لأسرهم في القطاع الفلاحي وفي الصناعة التقليدية، وكذا الأطفال الذين يعملون لحسابهم الخاص في القطاع غير المنظم.

ولتحقيق هذه الغاية، عملت الوزارة على تعزيز السياسة الوطنية بما في ذلك المعايير والآليات القانونية لتنفيذها، لا سيما ما تعلق بالعمل المنزلي والأنشطة ذات الطابع التقليدي الصرف والأعمال الخطيرة؛ ودعم التحالف 8.7 من خلال تبادل الخبرات في إطار التعاون جنوب-جنوب، وإفادة باقي البلدان من الممارسات الجيدة التي راكمها المغرب لأكثر من عقدين في مجال محاربة تشغيل الأطفال؛ وتنظيم ورشة عمل للتخطيط الاستراتيجي على المستوى الوطني مع جميع المؤسسات والهيئات المعنية بمحاربة تشغيل الأطفال لإعداد خطة عمل وطنية بعدما تم إنجاز تشخيص للظاهرة وتعقيداتها.

Loading...