ربيع الرايس
تصريح مثير… وتفاؤل “عبقري” لا يضاهى! هكذا يمكننا تلخيص ما جاء به السيد إبراهيم بنصبيح، رئيس المجلس الإقليمي لتطوان، في مداخلته الهاتفية ببرنامج “حدث الأسبوع” على إذاعة تطوان الجهوية، حيث أكد بكل ثقة أن ملف النقل المدرسي بالعالم القروي يقع على رأس الأولويات، معتبرًا إياه “رافعة أساسية لضمان الحق في التمدرس”.
كلام جميل، خطاب منمق، وروح وطنية عالية ترفرف في سماء الأثير… لكن مهلا أيها السيد الرئيس! بينما أنت تُشيد بالدعم الملكي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في اقتناء الحافلات، وتشكر الساهرين على تسييرها، وتتحدث عن “تسهيل وصول التلاميذ” و”تشجيع الفتيات على الاستمرار في الدراسة”، هل غابت عن بالك تلك التفصيلة “البسيطة” التي يواجهها كل سائق حافلة مدرسية وكل تلميذ يوميا؟
الطرقات يا سيدي الرئيس… الطرقات!
فمن “المشاريع المستقبلية” التي أعلنت عنها سيادتكم بكل حماس كان “تحسين البنية الطرقية لتسهيل تنقل الحافلات والتلاميذ خاصة في المناطق الجبلية”. هذه الجملة تحديدا هي التي تحول كل مداخلتكم الرائعة إلى مسرحية كوميدية بامتياز.
أيعقل أن يرى رئيس مجلس إقليمي النقل المدرسي “استثمارا حقيقيا في المستقبل” بينما أغلب مسالك القرى والمناطق الجبلية بإقليم تطوان لا تصلح، ليس فقط لحافلة نقل مدرسي جديدة، بل ربما حتى لـ “دبابة” في فصل الشتاء؟! الحافلات الجديدة والجميلة التي تم اقتناؤها تتحول إلى “عربات مستنقعات” محاصرة بالوحل والحفر، أو تستسلم لـ”صعوبة المسالك” فتجعل التلميذ يقطع الكيلومترات المتبقية سيرا على الأقدام، ليدخل إلى الفصل الدراسي وقد نال منه الإرهاق والرطوبة ما نال.
تتحدث عن “الخصاص المسجل في بعض الجماعات ذات الامتداد الجغرافي الواسع” كأحد التحديات، بينما التحدي الأكبر يا سيدي ليس في عدد الحافلات، بل في المعابر التي يجب أن تسلكها تلك الحافلات! إنها قصة أشبه بشراء “قارب سباق فاخر” ثم محاولة إبحاره في “بركة راكدة” مليئة بالطين والحجارة.
رفع الميزانية شيئ رائع، وشراء حافلات إضافية قرار حكيم… لكن ألا ترى أن البدء بـ ترقيع (أو بالأحرى بناء) تلك المسالك هو الخطوة المنطقية صفر قبل الحديث عن ضمان “وصول جميع التلاميذ”؟
في النهاية، نتمنى أن يصادق القدر على رؤية السيد بنصبيح ويتحقق “الاستثمار الحقيقي في المستقبل”. لكن لنتفق، أن هذا الاستثمار لن يؤتي ثماره ما لم يتم سحبه أولا من “بنك الوحل” والطرق المتهالكة التي تهدد يوميا سلامة التلاميذ وتجعل من رحلتهم إلى العلم مغامرة حقيقية للبقاء، عوض أن تكون حقا مضمونا ومريحا.







